يقول الحق جلّ جلاله:{يا أيها المدَّثِّر} أي: المتدثر، أُدغمت التاء في الدال، أي: المتلفّف في ثيابه، من الدِّثار، وهو كلُّ ما كان من الثياب فوق الشعار، والشعار: الثوب الذي يلي الجسد. قيل: هي أول سورة نزلت، والصحيح: أن أول ما نزل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِكَ ... }[العلق: ١] إلى قوله { ... عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق: ٥] ثم فتر الوحي نحو سنتين، فحزن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، حتى جعل يأتي شواهق الجبال، فيريد أن يتردَّى منها، فأتاه جبريلُ عليه السلام، وقال: إنك نبي الله، فرجع إلى خديجة، فقال: دثِّروني وصُبوا عليَّ ماءً بارداً، فنزل:{يا أيها المُدَّثر} ، وقيل: سمع من قريش ما كرهه، فاغتم، فتغطّى بثوبه متفكراً، كما يفعل المغتم، فأمر ألاّ يدع إنذارهم وإن آذوه، فقال:{قُمْ} أي: من مضجعك، أو قيام عزم وتصميم، {فأنذِرْ} أي: فَحذِّر قومك من عذاب الله إن لم يؤمنوا، أو فافعل الإنذار من غير تخصيص، كما يُنبىء عنه قوله تعالى:{وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً}[سبأ: ٢٨] .
{وربَّك فَكَبِّرْ} أي: خُص ربك بالتكبير، وهو التعظيم قولاً واعتقاداً، فلا يَكْبُرُ في عينك إلاّ الله، وقل عندما يعروك من غيره: الله أكبر. رُوي أنه لمّا نزل، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:" الله أكبر " فكبَّرت خديجة وفرحت، وأيقنت أنه الوحي. وقد يُحمل على تكبير الصلاة، والفاء بمعنى الشرط، كأنه قيل: أيّ شيء حدث فلا تدع تكبيره.