أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ كفر ونفاق، أَمِ ارْتابُوا في نبوته صلى الله عليه وسلم، أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ أن يجور اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ فيحكم بينهم بغير الحق. قسَّم الحق تعالى الأمر في صدود المنافقين عن حكومته- عليه الصلاة والسلام- إذا كان الحق عليهم إلى ثلاث: بأن يكونوا مرضى القلوب منافقين، أو مرتابين في أمر نبوته، أو خائفين الحيف في قضائه، ثم أبطل الكل بقوله: بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، أما الأولان فلأنه لو كان شيء منهما لأعرضوا عنه، عند كون الحق لهم لتحقق نفاقهم وارتيابهم، وأما الثالث فلمعرفتهم بأحواله صلى الله عليه وسلم في الأمان والثبات على الحق، فهم لا يشكون أنه لا يحيف بل لأنهم هم الظالمون، يريدون أن يظلِمُوا من له الحق عليهم، ويتم لهم جحودهم، فيأبَوْن المحاكمة إليه- عليه الصلاة والسلام- لأنه صلى الله عليه وسلم يقضي عليهم بالحق الصريح، المؤيد بالوحي الصحيح.
الإشارة: ترى فريقاً من الناس يدّعون الإيمان والطاعة والمحبة، ونفوسهم غالبة عليهم، فإذا دُعُوا إلى من يحكم بينهم وبينها، بأن يأمرهم بمجاهدتها أو قتلها إذا فريق منهم معرضون، وإن يكن لهم الحق، بأن وجدوا من يدلهم على البقاء مع عوائدها وشهواتها، يأتوا إليه مذعنين. أفي قلوبهم شك ووَهْم، أم ارتابوا في وجود الطبيب، أم يخافون أن يحيف الله عليهم؟ بأن يدلهم على من يتعبهم ولا يبرئهم، حيث حسّنوا الظن به والتجئوا إليه، فلا يدلهم إلا على من يوصلهم إليه، بل أولئك هم الظالمون لنفوسهم، حيث حرموها الوصول، وتركوها في أودية الشكوك والخواطر تجول. قال الورتجبي: وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ أي: دُعوا إلى مشاهدة الله بنعت المحبة والمعرفة، وعبودية بنعت الإخلاص، ودُعُوا إلى رسوله بالمتابعة والموافقة في الشريعة والطريقة. هـ.