الإشارة: يا من أقبل على مولاه، وجعل محبة سيده بُغْيته ومُناه، فلم يُشرك في محبة حبيبه سواه، لو رأيت من ظلم نفسه باتباع هواه، وأشرك مع الله في محبته سواه، باتباع حظوظ دنياه، وذلك حين يرون ما هم فيه من الانحطاط والبعاد، وما أعدّ الله لأهل المحبة والوداد من الفوز بالقرب من الحبيب، ومشاهدة جمال القريب، لرأيت أمراً عظيماً وخطباً جسيماً، ولعلمت أن القوة كلها لله، قَرّبَ مَنْ شاء بفضله ورحمته، وأبعد من شاء بعدله وحكمته، وذلك حين يتبرأ الأكابر فى الجرم من الأصاغر، ويقع التفريق بين الأصحاب والعشائر، إلا من اجتمعوا على محبة الحبيب، وتعاونوا على طاعة القريب المجيب، الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ. لا تصحب من لا يُنْهِضُكَ حاله، ولا يَدُلُّكَ على الله مقاله- فكل من صحب أهل الغفلة أو رَكَنَ إلى أهل الدنيا فلابد أن يرى ذلك حسرات يوم القيامة، يوم لا ينفع الندم وقد زلّ القدم. ولله دَرُّ صاحب العينية رضي الله عنه حيث يقول:
وَقَاطِعْ لِمَنْ وَاصَلْتَ أيَّامَ غفلة ... فما واصل العذال إلاَّ مُقَاطِعُ
وَجَانِب جَنَابَ الأجنبي لو أنه ... لقرب انتساب في المنام مضاجع
فللنفس من جلاسها كل نسبة ... ومن خلة للقلب تِلكَ الطَّبَائعُ
ولما حذَّر الحقّ تعالى من الشرك الجلي والخفي، حذَّر من متابعة المشركين في التحريم والتحليل بلا حكم شرعي فقال:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٦٨ الى ١٦٩]
يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (١٦٩)
قلت: حَلالًا حال، أو مفعول به، وطَيِّباً نعت له، والخطوات جمع خطوة، وهي بالفتح- مصدر خطا يخطو، وبالضم- اسم لمسافة ما بين القدمين، ويُكَسَّر على خطاً، ويُصَحَّح على خطوات، مثلث الطاء، أعني:
الضم على الإتباع، كغرفات وقربات، قال ابن مالك:
والسَّالمَ العَيْنِ الثُّلاثي اسْما أَنِلْ ... إتْبَاعَ عَيْنٍ فَاءَهُ بما شُكِلُ
والسكون على الأصل في المفرد، والفتح تخفيفاً، قال في الألفية:
وسكَّنِ التالِيَ غيرَ الفتحِ أوْ ... خفِّفْهُ بالفَتْحِ فكُلاَّ قدْ رووا
وقرئ فى المتواتر بالضم والإسكان، وفي الشاذِّ بالفتح.