قلت:(من المؤمنين) : حال من (القاعدين) ، و (غير) بالرفع: صفة للقاعدين، وبالنصب: حال، وبالجر: بدل من المؤمنين، و (درجة) : نصب على إسقاط الخافض، أو على المصدر، لأنه متضمن معنى التفضيل، أو على الحال، أي: ذوي درجة. و (أجرًا عظيمًا) : مصدر لفضَّل، لأنه بمعنى أجرًا، أو مفعول ثان لفضَّل، لأنه بمعنى أعطى، أي: أعطاهم زيادة على القاعدين أجرًا عظيمًا، و (درجات) وما بعده، كل واحد بدل من (أجرًا) ، و (درجات) : نصب على المصدر، كقولك: ضربته أسواطًا، و (أجرًا) : حال، تقدمت عليها لأنها نكرة، و (مغفرة ورحمة) : على المصدر بإضمار فعلهما.
يقول الحق جلّ جلاله ترغيبًا في الجهاد: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ عن الجهاد مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مع المجاهدين في سبيل الله في الدرجة والأجر العظيم. ولما نزلت أتى ابنُ أم مكتوم وعبد الله بن جحش، وهما أعميان فقالا: يا رسول الله ذكرَ الله فضيلةَ المجاهدين على القاعدين، وحالُنا على ما ترى، ونحن نشتهي الجهاد، فهل من رخصة؟ فأنزل الله: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ، فجعل لهم من الأجر ما جعل للمجاهدين لزمانتهم وحسن نياتهم.
ثم ذكر فضل مَن خرج على من قعد لعذٍر فقال: فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ، مواساة للمجاهدين، وَأَنْفُسِهِمْ ببذلها في سبيل رب العالمين، عَلَى الْقاعِدِينَ لعذر، دَرَجَةً واحدة، لمزيد مشقة السفر والغزو والخطر بالنفس للموت، وَكُلًّا من القاعدين لعلة والمجاهدين في سبيل الله، وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى أي:
المثوبة الحسنى، وهي الجنة. وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ من غير عذر أَجْراً عَظِيماً وخيرًا جسيمًا. وفي البخاري:«إنَّ لله مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيلِ الله، ما بينَ الدَرجتين كَمَا بَيْنَ السَّماءِ والأرضِ» . الحديث. ثم بيَّنها بقوله دَرَجاتٍ مِنْهُ أي: من فضله وإحسانه، وَمَغْفِرَةً لذنوبة، وَرَحْمَةً تُقرِّبه إلى ربه، وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً