للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيفوزون بقربه، فكيف أطردهم؟ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ لقاء ربكم، أو بأقدارهم، أو تسفهون عليهم فتدعُوهم أراذل، أو قوماً جُهالاً استحكم فيكم الجهل وشختم فيه، فلا ينفع فيكم الوعظ والتذكير. وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ: من يدفع انتقامه عني إِنْ طَرَدْتُهُمْ وهم بتلك الصفة الكاملة من الإيمان والخوف منه؟

أَفَلا تَذَكَّرُونَ فتعلموا أن التماس طردهم، وتوقيف الإيمان عليه ليس بصواب.

الإشارة: قال القشيري: قوله تعالى: لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً، فيه تنبيه للعلماء- الذين هم ورثة الأنبياء أن يتأدبوا بأنبيائهم، وألا يطلبوا من الناس شيئا في بث علومهم، ولا يرتفقوا منهم بتعليمهم، والتذكير لهم، وما ارتفق من المستمعين في بث فائدة يذكر بها من الدين، ويعظ بها المسلمين فلا يبارك الله فيما يُسمعون به عن الله، ولا ينتفعون به، ويحصلون به على سخط من الله هـ «١» .

قلت: هذا إن كان له تشوف وتطلع بذلك، بحيث لو لم يُعلم، أو لم يُذكر. وأما إن كان يعلم ويذكر لله، ثم يتصدق عليه لله، فلا بأس به إن شاء الله. وما زالت الأشياخ والأولياء يقبضون زيارات الفقراء، وكل من يأتيهم، ويذكرونهم ويعرفونهم بالله، لأن ذلك ربح للمعطي وتقريب له. وما ربح الناس إلا من فلسهم ونفسهم بذلوها لله، فأغناهم الله. وقد تقدم عند قوله: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ... «٢» بعض الكلام على هذا المعنى، والله تعالى أعلم.

ولما قالوا له: لو كنت نبى الله، لأغناك الله عن التكسب، ولأعلمك بما يفعل أتباعك فإنهم ما اتبعوك إلا فى الظاهر دون الباطن، قال لهم:

[[سورة هود (١١) : آية ٣١]]

وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١)

يقول الحق جلّ جلاله: قال نوح لقومه: وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ حتى أنفق منها متى شئت، فأستغني عن مباشرة الأسباب، بل ما أنا إلا بشر، أو لا أدعي ما ليس لي فتنكروا قولي، أي: لا أفوه لكم، ولا أتعاطى غير ما ألهمني الله له، فلست أقول: عندي خزائن الله، أي: القوة التي توجد بها الأشياء بعد عدمها. أو:

عندي خزائن الله التي ينزل منها الأشياء، كالريح والمياه ونحوها، كما قال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ «٣» فتبرأ عليه السلام من هذه الدعوى.


(١) بالمعنى.
(٢) من الآية: ١٠٣ من سورة التوبة.
(٣) من الآية ٢١ من سورة الحجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>