للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة: كما شهد الحق- جل جلاله- لرسله بالرسالة، بما أظهر لهم من المعجزات، شهد لأوليائه بالولاية بما منحهم من الكرامات. والمراد بالكرامة: هي تحقيق العرفان، ومعرفة الذوق والوجدان، واستقامة الظواهر والبواطن، وتهذيب الأخلاق وهداية الناس على يديه إلى العليم الخلاق، فهذه الكرامة المعتبرة عند المحققين، فمن أطاعهم فقد أطاع الله، ومن أعرض عنهم فقد أعرض عن معرفة الله، ومن أحبهم فقد أحب الله، ومن أبغضهم فقد أبغض الله لأنهم نور من أنوار الله، وعين من عيون الله، إذ لم يبق فيهم بقية مما سوى الله، أقدامهم على قدم رسول الله، «إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إنما يبايعون الله» . فافهم، والله تعالى أعلم.

ثم ذكر أحوال أهل النفاق، فقال:

[[سورة النساء (٤) : آية ٨١]]

وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (٨١)

قلت: (طاعة) : خبر، أي: أمرنا طاعة، وأصله النصب على المصدر، ورُفِعَ للدلاله على الثبوت، وبيِّتَ الشيء: دبَّره ليلاً وأضمره في نفسه.

يقول الحق جلّ جلاله في شأن المنافقين: وَيَقُولُونَ لك إذا حضروا معك: أمرنا وشأننا طاعَةٌ لك فيما تأمرنا به، فَإِذا بَرَزُوا أي: خرجوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أي: دبرَّت ليلاً وأخفت من النفاق غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ لك من قبول الإيمان وإظهار الطاعة، أو زوَّرت خلاف ما قلتَ لها من الأمر بالطاعة، وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ أي: يُثبِتُه في صحائفهم فيجازيهم عليه، فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ولا تبال بهم، وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ يكفك شرهم، وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا عليهم، فسينتقم لك منهم.

الإشارة: هذه الخصلة موجودة في بعض العوام إذا حضروا مع أهل الخصوصية أظهروا الطاعة والإقرار، وإذا خرجوا عنهم بيَّتوا الانتقاد والإنكار، فلا يليق إلا الإعراض عنهم، والغيبة في الله عنهم، فإن الله يكفي شرهم بكفالته وحفظه. والله تعالى أعلم.

ثم دلّهم على ما فيه دواء مرض قلوبهم، فقال:

[[سورة النساء (٤) : آية ٨٢]]

أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (٨٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>