والثانية لأهل الظاهر، فلكل آية أهل ومحل، فلا نسخ ولا تعارض. وقال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه: من أراد الجمع بين الآيتين فليتق الله حق تقاته بباطنه، وليتق الله ما استطاع بظاهره. هـ. وبالله التوفيق.
ثم حضّ الحق جل جلاله على الاجتماع، ونهى عن الفرقة التي رام العدو منهم، فقال:
قلت: أصل الحبل في اللغة: السبب المُوصِّل إلى البغية، سمى به الإيمان أو القرآن لأنه يُوصل إلى السعادة السرمدية، و (شفا حفرة) أي: طرفها، وأصله:(شفو) ، فقلبت ألفاً في المذكر، وحذفت في المؤنث، فقالوا: شفة.
يقول الحق جلّ جلاله: وَاعْتَصِمُوا أي: تمسكوا يا معشر المسلمين بِحَبْلِ اللَّهِ أي: الإيمان، أو كتاب الله، لقوله عليه الصلاة والسلام:«إنَّ هذا القرآن هو حَبْلُ الله المّتِين، وهو النورُ المُبِينُ، والشِّفَاءُ النافِعُ، عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ به ... » . الحديث. حال كونكم جَمِيعاً أي: مجتمعين عليه، وَلا تَفَرَّقُوا تفرقكم الجاهلي، أو لا تفرقوا عن الحق بوقوع الاختلاف بينكم كأهل الكتاب. قال عليه الصلاة والسلام:«إنَّ بَني إسْرائيلَ افتَرقَتْ على إحدى وسبعين فرقة، وإنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ على ثِنتَيْنِ وسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلّها في النار إلا واحدة، فقيل: يا رسول الله، ما هذه الواحدة؟ فقبض يده وقال: الجَمَاعَةُ، ثمَّ قرأ: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا.
وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، التي من جملتها الهداية للإسلام المؤدِّي إلى التآلف وزوال الغِلِّ، إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً في الجاهلية، يقتل بعضُكم بعضاً، فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ بالإسلام، فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً متحابين مجتمعين على الأخوة فى الله. قال عليه الصلاة والسلام: «لا تَحَاسَدُوا، ولا تَبَاغَضُوا، ولا تَدَابَرُوا، وكُونُوا عبادَ الله إخوانا، المسلم أخو المسلمُ لا يَظْلِمُه ولا يَخْذُلُه» . الحديث. رُوي أن الأوس والخزرج كانوا أخَوَيْن لأبوين، فوقع بين أولادهما العداوة، وتطاولت الحرب بينهما مائة وعشرين سنة، حتى أطفأها الله بالإسلام، وألف بينهم برسوله عليه الصلاة والسلام- فنزلت فيهم هذه الآية.