ويقال لأهل كل عصر: ولقد أهلكنا القرون من قبلكم بالبُعد وغم الحجاب، لما ظلموا بالوقوف مع الحظوظ والشهوات، وجاءتهم رسلهم التي توصلهم إلى ربهم- وهم أولياء زمانهم- بالآيات الواضحة على صدقهم، ولو لم يكن إلا هداية الخلق على يديهم- فأنكروهم، وما كانوا ليؤمنوا بهم لمَا سبق لهم من البُعد، ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم، لننظر كيف تعملون مع شيوخ التربية في زمانكم، هل تنكرونهم أو تقرونهم. والله تعالى أعلم.
يقول الحق جلّ جلاله: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ يعني كفار قريش آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا من المشركين ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أي: بكتاب آخر ليس فيه ما نستبعده من البعث والحساب، والعقاب بعد الموت، أو ما ذكره من سب آلهتنا، وعيب ديننا، أو اجعل هذا الكلام الذي من قِبَلك على اختيارنا، فأحل ما حرمته، وحرم ما أحللته ليكون أمرنا واحداً وكلمتنا متصلة، أَوْ بَدِّلْهُ بأن تجعل مكان الآية المشتملة على ذلك آية أخرى.
قُلْ لهم يا محمد: ما يَكُونُ: ما يصح لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي: من قِبل نفسي، وإنما اكتفى بالجواب المذكور عن التبديل لاستلزام امتناعه امتناع الإتيان بقرآن آخر، قل لهم: أَنْ أي: ما أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ، لا أقدر أن أقول شيئاً من عندي. قال البيضاوي: هو تعليل لما يكون، فإن المتبع لغيره في أمر لم يستبد بالتصرف فيه بوجه، وجواب للنقض بنسخ بعض الآيات لبعض، ورد لما عَرّضوا له بهذا السؤال من أن القرآن كلامه واختراعُه، ولذلك قيد التبديل في الجواب وسماه عصياناً فقال: إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ يوم القيامة، وفيه إيماء بأنهم استوجبوا العذاب بهذا الاقتراح. هـ.
قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أرسلني إليكم، ولا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ، وَلا أَدْراكُمْ أي: أعلمكم بِهِ على لساني. وفي قراءة ابن كثير:«ولأدراكم» ، بلام التأكيد، أي: لو شاء الله ما تلوته عليكم ولأعلمكم به على لسان غيري.