السماء إلى الأرض على ما ثبت به القضاء وجرى به القلم الإلهي، وهم المدبرات أمراً، فمنهم سماوية، ومنهم أرضية. هـ. مختصراً.
الإشارة: اعلم أن الروح القائمة بهذا الآدمي هي قطعة من الروح الأعظم التي هي المعاني القائمة بالأواني، وهي آدم الأكبر والأب الأقدم، وفي ذلك يقول ابن الفارض:
فلما أراد الحق تعالى أن يستخلف هذا الروح في هذه البشرية لتدبرها وتصرفها فيما أريد منها، قالت الملائكة بلسان حالها: كيف تجعل فيها من يفسد فيها بالميل إلى الحظوظ والشهوات، ويسفك الدماء بالغضب والحميات، ونحن نسبحك وننزهك عما لا يليق بك؟ رأت الملائكة ما يصدر من بعض الأرواح من الميل إلى الحضيض الأسفل، ولم تر ما يصدر من بعضها من التصفية والترقية، فقال لهم الحق تعالى: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ فإن منها من تعرج إلى عرش الحضرة، وتعبدني بالفكرة والنظرة، وتستولي على الوجود بأسره، وتنكشف لها عند ذلك أسرار الذات وأنوار الصفات وأسماء المسميات.
فيقول الحق تعالى للملائكة: هل فيكم من كشف له عن هذا السر المكنون، والاسم المصون، فقالوا: سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا من علم الصفات دون أسرار الذات إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ يقول الحق تعالى لروح العارف التي نفذت إلى بحر وحدة الذات وتيار الصفات: أنبئهم بما غاب عنهم من أسرار الجبروت، وأسماء الملكوت، فلما أعلمهم بما كوشف له من الأسرار، وانفلق له من الأنوار، أقروا بشرف الآدمي، وسجدوا لطلعة آدم عليه السلام فقال الحق لهم: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ؟ أي: ما غاب في سماء الأرواح من الأسرار وفي أرض النفوس من الأنوار، وأعلم ما تظهرونه من الانقياد، وما تكتمونه من الاعتقاد، والله تعالى أعلم.
ولما تبينّ شرف آدم عليه السلام وبان فضله أمرهم بالسجود له، فقال:
قلت:(إذ) ظرف للماضي، ضد إذا، وهي معمولة لفعل مقدر، يفسره قوله تعالى: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ، فحيثما وردت في القرآن فيقدر له «اذكر» ، والاستثناء متصل إذا قلنا إبليس من الملائكة، ومنقطع إذا قلنا من الجن. والله تعالى أعلم.