للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: فَعَجَبٌ: خبر، وقَوْلُهُمْ: مبتدأ، وأَ إِذا كُنَّا ... الخ- محكي به. واختلف القراء هنا، وفي مواضع من القرآن، فمنهم من قرأ بالاستفهام في الأول دون الثاني، ومنهم بالعكس، ومنهم من قرأ بالاستفهام فيهما. فمن قرأ بالاستفهام في الأول دون الثاني فإنما القصد هو الثاني لأنهم إنما أنكروا كون الإنسان يصير تراباً ثم يُبعث، وأما كونهم يصيرون تراباً فلا إنكار عندهم فيه. ومن قرأ بالاستفهام في الثاني فعلى الأصل، ومن قرأ بالاستفهام فيهما فزيادة تأكيد. والعامل في إِذا محذوف، دلّ عليه: لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أي: أُنجَدد إذا.... الخ.

يقول الحق جلّ جلاله: وَإِنْ تَعْجَبْ يا محمد من إنكارهم البعث فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أي: فقولهم حقيق بأن يتعجب منه، فإنَّ مَن قدر على إنشاء ما قصَّ عليك من عجائب السماوات والأرض، وأنواع الثمار على اختلاف أصنافها وألوانها، كانت الإعادة أيسر شيء عليه، فالآيات المعدودة كما هي دالة على وجود المبدأ، فهي دالة على إمكان الإعادة، لأنها دالة على كمال قدرته تعالى. ثم فسر قولهم فى الإنكار: قالوا: أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أي: أَنُجَدِّدُ إذا متنا، وكنا تراباً، أُولئِكَ القائلون ذلك، أو المنكرون البعث، الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ لأنهم كفروا صفة القدرة، وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ أي: مقيدون بالضلال، قد أحاط بهم الشقاء، لا يُرجى خلاصهم، أو: يُغلّون يوم القيامة. وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ لا ينفكون عنها. وتوسط ضمير الفصل لتخصيص الخلود بالكفار، ففيه رد على المعتزلة. والله تعالى أعلم.

الإشارة: إنكار بعث الأرواح من غفلاتها وجهلها، كإنكار بعث الأشباح بعد موتها، يُتعجب من الأول كما يتعجب من الثاني فالقدرة صالحة، فمن قدر على بعث الأشباح بعد موتها الحسي قدر على بعث الأرواح بعد موتها المعنوي. «مَن استغرب أن يُنقذه الله من شهوته، وأن يُخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز قدرة الإلهية وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً

» . وقد أحيا الله أرواحاً كثيرة كانت ميتة بالجهل والمعاصي، فصارت عارفة بالله، من خواص أولياء الله مَنْ كانوا لصوصا فصاروا خصوصا، ومنهم من كانوا كفاراً، فصاروا أبراراً. وبالله التوفيق.

ثم استمر بهم الإنكار حتى استعجلوا ممن أوعدهم بذلك العذاب، فقال تعالى:

[[سورة الرعد (١٣) : آية ٦]]

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦)

قلت: «المَثُلات» : جمع مَثُلَة، كسمرة، وهى العقوبة العظيمة، التي تجعل الإنسان مثلاً لمن بعده. وفيها لغات وقراءات شاذة. وعَلى ظُلْمِهِمْ: حال، والعامل فيه: المغفرة.

يقول الحق جلّ جلاله: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ أي: بالنقمة قبل العافية، طلبوا نزول العذاب الذي أوعدهم به استهزاء، وَقَدْ خَلَتْ: مَضَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ: عقوبات أمثالهم من

<<  <  ج: ص:  >  >>