للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحققت ولايته. فقد سئل- عليه الصلاة السلام- عن أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فقال: «الذينَ نَظَرُوا إلى بَاطِنِ الدنْيَا، حينَ نَظََرَ النَّاسُ إلى ظََاهِرهَا، واهْتَمُّوا بآجِلِ الدُّنيا حِين اهتَمَّ النَّاسُ بعَاجِلِها فأمَاتُوا منها ما خَشوا أن يُمِيتهم، وتركوا منها ما علموا أن سيتركُهُم، فما عارضهم من نائلها عارض إلا رفضوه، ولا خادعهم من رفعتها خادعٍ إلا وضعوه، خلقتِ الدنيا في قلوبهم فما يجددونها وخربت بينهم فما يعمرونها، وماتت في صدورهم فما يُحْيونها، بل يهدمُونها، فيبنون بها آخرتهم، ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم، نظروا إلى أهلها صرْعى قد حلَّت بهم المَثُلات، فما يرون أماناً دون ما يرجون، ولا خوفاً دون ما يجدون» .

وفي حديث آخر: قيل: يا رسول الله مَنْ أولياء الله؟ قال «المتحابَّون في الله» . وقال القشيري رضى الله عنه: علامة الولي ثلاث: شغله بالله، وفراره إلى الله، وهمه الله. هـ وقال أبو سعيد الخراز رضى الله عنه: إذا أراد الله أن يوالي عبداً من عباده فتح عليه باب ذكره، فإذا اشتد ذكره فتح عليه باب القرب، ثم رُفع إلى مجلس الأنس، ثم أجلسه على كرسي التوحيد، ثم رفع عنه الحجب وأدخله دار الفردانية، وكشف له عن الجلال والعظمة، فإذا عاين ذلك بقي بلا هو، فحينئذٍ يفني نفسه ويبرأ من دعاويها. هـ.

فأنت ترى كيف جعل الفناء هو نهاية السير والوصول إلى الولاية، فَمن لا فناء له لا محبة له، ومن لا محبة له لا ولاية له. وإلى ذلك أشار ابن الفارض رضى الله عنه، في تائيته بقوله:

فلمْ تهْوَني ما لم تكنْ فيَّ فانياً ... ولم تَفْنَ ما لم تجْتَل فيك صُورتي

وقوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا أي: إيمان الخصوص، وَكانُوا يَتَّقُونَ ما سوى الله فلا يطمئنون إلى شىء سواه، هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

حلاوة الذوق والوجدان، مع مقام الشهود والعيان، فِي الْآخِرَةِ

بإدراك ما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر ببال من المعارف والأسرار، فمن أدرك هذا فليوطن نفسه على الإنكار.

ولذلك سلّى نبيه، وينسحب على ورثته مما يلقونه من أهل الإنكار، فقال:

[[سورة يونس (١٠) : آية ٦٥]]

وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥)

قلت: (إن) استئناف، ومن قرأ بالفتح فعلى إسقاط لام العلة.

يقول الحق جلّ جلاله لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ في جانب الربوبية، أو فى جانبك بالطعن والشتم والتهديد، فالعاقبة لك بالنصر والعز فإن الله يُعز أولياءه، إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً أي: إن الغلبة لله جميعاً،

<<  <  ج: ص:  >  >>