للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولَمَّا نصر الله رسولَه، وفرّق عنه الأحزاب، وفتح عليه قريظة والنضير، ظنّ أزواجه أنه اختص بنفائس أموال اليهود وذخائرهم، فقعدن حوله: وقلن: يا رسول الله بنات كسرى وقيصر في الحلي والحلل والإماء والخول «١» ونحن على ما تراه من الفاقه والضيق، وآلمن قلبه- عليه الصلاة والسلام- لمطالبتهن له بتوسعة الحال، وأن يعاملهن به بما يعامل به الملوكُ والأكابرُ أزواجهم، فأنزل الله تعالى:

[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (٢٩)

يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ، وكن تسعاً خمساً من قريش: عائشة بنت الصدّيق، وحفصة بنت الفاروق، وأم حبيبة بنت سفيان، وسَوْدة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي أُمية، وصفية بنت حيي الخيبرية، من بني إسرائيل، من ذرية هارون عليه السلام، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث المصطلقيّة. أي: فقل لهن إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها أي: التوسعة في الدنيا وكثرة الأموال والحُلل، فَتَعالَيْنَ أي: أَقبلن بإرادتكن واختياركن. وأصل «تعال» أن يقوله مَن في المكان المرتفع لمَن في المكان الأدنى، ثم كثر استعماله في كل أمر مطلوب. أُمَتِّعْكُنَّ أي: أُعطِكُن متعة الطلاق. وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا المفوّضة قبل الوطء مع أخواتها، كما في كتب الفقه. وَأُسَرِّحْكُنَّ أُطلقكن سَراحاً جَمِيلًا لا ضرر فيه.

وقيل: سبب نزولها: أنهن سألنه زيادة النفقة، وقيل: آذينه بغيرة بعضهن من بعض، فاغتمّ- عليه الصلاة والسلام- لذلك. وقيل: هجرهن شهراً، فنزلت. وهي آية التخيير. فبدأ بعائشة- رضى الله عنها- وكانت أحبهن إليه، فخيّرها، وقرأ عليها القرآن، فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة، فرؤي الفرحُ في وجهه صلى الله عليه وسلم، ثم اختارت جميعهُنّ اختيارها. وروي أنه قال لعائشة: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْراً، ولاَ عَلَيكِ ألا تَعْجَلِي فيه حَتَّى تَسْتَأْمرِي أَبَوَيْكِ» ، ثُمَّ قرأ عليها الآية، فقالت: أَفي هذا أسْتَأُمِرُ أَبَويّ؟ فَإِني أُريدُ الله ورسوله والدّار الآخرة «٢» .


(١) خول الرّجل: حشمه وأتباعه، واحدهم: خائل، وقد يكون واحدا. وهو مأخوذ من التخويل، أي: التمليك، وقيل: من الرعاية. انظر النهاية (٢/ ٨٨) واللسان (خول ٢/ ١٢٩٣) .
(٢) أخرجه البخاري فى (التفسير، سورة الأحزاب، ح ٤٧٨٥) ومسلم فى (الطلاق، باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية ٢/ ١١٠٣، ح ١٤٧٥) من حديث سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>