للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة: للذين أحسنوا بالانقطاع إلى الله والزهد فيما سواه، الحسنى، وهي المعرفة، وزيادة، وهي الترقي في المقامات، والعروج في سماء المشاهدات، والازدياد من الأسرار والمكاشفات، وترداف المناجاة والمكالمات، ولا يغشى وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلآ ذِلَّةُ، بل وجوههم بنور البقاء ضاحكة مستبشرة، وهم خالدون في نعيم الفكرة والنظرة.

ثم ذكر أضدادهم، فقال:

[[سورة يونس (١٠) : آية ٢٧]]

وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧)

قلت: (والذين) : مبتدأ على حذف مضاف، أي: جزاء الذين كسبوا، و (جزاء) : خبر. أو على تقدير «لهم» ، أو معطوف على (للذين أحسنوا) على مذهب من يُجوز: في الدار زيد والحجرةِ عمرو. أو (جزاء) : مبتدأ، و (بمثلها) :

خبر، والجملة حينئذٍ كبرى. ومن قرأ (قِطعَاً) بفتح الطاء فجمع قطيع، وهو مفعول ثان، و (مظلماً) : حال من الليل، ومن قرأ (قِطعَاً) بالسكون فمصدر، و (مظلماً) نعت له، أو حال منه أو من الليل.

يقول الحق جلّ جلاله: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ كالكفر والشرك، وما يتبعهما من المعاصي، جزاؤهم سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها لا يزاد عليها، فلا تضاعف سيئاتهم، عدلاً منه سبحانه، وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ أي: هوان عند حشرهم للنار، ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ يعصمهم من عذاب الله وغضبه، كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أي: يحشرون مسودة وجوههم، كأنما أُكْسِيَتْ وجوههم قطْعاً كثيرة من الليل المظلم، أو قطْعاً مظلماً من الليل، أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.

قال البيضاوي: هذا مما يحتج به الوعيدية- يعني المعتزلة- في تخليد العصاة. والجواب: أن الآية في الكفار لاشتمال السيئات على الكفر والشرك، ولأن الذين أحسنوا يتناول الكثير من أهل القبلة، فلا يتناوله قسيمُه. هـ.

الإشارة: جزاء المعاصي البُعد والهوان، وتسْويد وجوه القلوب والأبدان، كما أن جزاء الطاعة التقريب والإبرار، وتنوير وجوه القلوب والأسرار والإحسان، وفي ذلك يقول ابن النحوي في منفرجته:

وَمَعَاصِي اللَّهِ سَماجَتُها ... تَزَدَانُ لِذي الخُلْقِ السَّمِج «١»

وَلِطَاعَتِه وَصَبَاحَتِهَا ... أنْوارُ صَبَاحٍ مُنْبَلِجِ


(١) سماجتها: من سمج- بالضم- أي: قبح- وتزدان، أي: تتزين وتحسن، والسمج: القبيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>