للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٤ الى ٢٦]

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦)

يقول الحق جلّ جلاله: أَمْ يَقُولُونَ أي: بل أيقولون افْتَرى محمد عَلَى اللَّهِ كَذِباً في دعوة النبوة، أو القرآن؟. والهمزة للإنكار التوبيخي، كأنه قيل: أيمكن أن ينسبوا مثله- عليه الصلاة والسّلام- للافتراء، لا سيما لعظم الافتراء، وهو الافتراء على الله، فإن الافتراء إنما يُسام به أبعد خلق الله، ومَن هو عرضة للختم والطبع، فالعجب ممن يفوه به في جانب أكرم الخلق على الله.

فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ، هذا استبعاد للافتراء على مثله لأنه إنما يجترئ على الله مَن كان مختوماً على قلبه، جاهلاً بربه، أمَّا مَن كان على بصيرة ومعرفة بربه، فلا، وكأنه قال: إن يشأ الله خذلانك يختم على قلبك لتجترئ بالافتراء عليه، لكنه لم يفعل فلم تفتر. أو: فإن يشأ الله عدم صدور القرآن عنك يختم على قلبك، فلم تقدر أن تنطق بحرف واحد منه، وحيث لم يكن كذلك، بل تواتر الوحي عليك حيناً فحيناً تبين أنه من عند الله تعالى. وهذا أظهر.

وقال مجاهد: إن يشأ يربط على قلبك بالصبر على أذاهم، وعلى قولهم: افترى على الله كذباً لئلا تدخله مشقة بتكذيبهم. هـ.

وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ، استئناف مقرر لنفي الافتراء، غير معطوف على «يختم» كما ينبئ عنه إظهار الاسم الجليل، وإنما سقطت الواو- كما فى بعض المصاحف- لا تباع اللفظ، كقوله تعالى: وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ ... «١» مع أنها ثابتة في مصحف نافع. قاله النسفي. أي: ومن شأنه تعالى أنه يمحق الباطل، ويثبت الحق بوحيه، أو بقضائه، كقوله تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ «٢» ، فلو كان افتراء كما زعموا لمحقه ودمغه. أو: يكون عِدةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه تعالى يمحو الباطل الذي هم عليه، ويثبت الحق الذي هو عليه صلّى الله عليه وسلم بالقرآن، أو بقضائه الذي لا مرد له بنصره عليهم، وقد فعل ذلك، فمحا باطلهم، وأظهر


(١) من الآية ١١ من سورة الإسراء.
(٢) من الآية ١٨ من سورة الأنبياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>