محل المناجاة، ومعدن المصافاة، تتسع فيها ميادين الأسرار، وتُشرق فيها شوارق الأنوار، كما في الحِكَم. وفي بعض الأخبار:(أن العبد إذا قام إلى الصلاة رفع الله الحُجُبَ بينه وبينه، وواجهه بوجهه، وقامت الملائكة من لدن منكبيه إلى الهواء، يُصلون بصلاته، ويُؤَمَّنُونَ على دعائه، وإن المصلي لينثر عليه البر من عنان السماء إلى مفرق رأسه، ويناديه مناد: لو يعلم المناجي من يناجي ما انفتل «١» . وإن أبواب السماء لتفتح للمصلي. وإن الله تعالى يباهي ملائكته بصفوف المصلين) . وفي التوراة: يا ابن آدم لا تعجز ان تقوم بين يَدَيَّ مصلياً باكياً، فأنا الذي اقتربتُ من قلبك، وبالغيب رأيتَ نوري. هـ. فكانوا يرون أن تلك المراقبة والبكاء، وتلك الفتوح التي يجدها المصلي في قلبه من دنو الرب من القلب.
وأما الصدقة فإنها برهان على إيمان صاحبها، وفي الحديث:«الصَّدقةُ بُرْهانٌ» ، فهي تدل على خروج حب الدنيا من القلب، وعلى اتصاف صاحبها بمنقبة السخاء، التي هي أفضل الخصال، وفي الحديث:«السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنَ اللهِ، قريبٌ من النَّاس، قريبٌ من الجَنَّةِ، بَعِيدٌ من النارِ، والبَخيلُ بَعيدٌ من اللهِ، بعيدُ من الناسِ، بَعِيدٌ مِنَ الجَنَّةِ، قَرِيبٌ من النَّارِ، ولجَاهلٌ سَخِيٌ أَحَبُ إلى اللهِ من عالم بخيل» .
ثم ذكّرهم بالنعم، ليقيدوها بالشكر قبل أن تسلب منهم، كما سلبت ممن ذكر قبل، فقال:
قلت:(اللَّهُ) : مبتدأ، و (الَّذِي) ، وما بعده: خبر، و (رِزْقاً لَكُمْ) : مفعول أخرج، و (مِنَ الثَّمَراتِ) : بيان له، حال، ويجوز العكس، ويجوز أن يراد بالرزق: المصدر، فينصب على العلة أو المصدر لأن (أخرج) فيها معنى «رَزَقَ» ، و (دائِبَيْنِ) : حال، والدءوب: الدوام على عمل واحد، و (مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) : يحتمل أن تكون «ما» مصدرية، أو موصولة، أو موصوفة.
يقول الحق جلّ جلاله: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ من أجلكم، السماء تُظلكم، والأرض تُقلكم، وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ، تعيشون به وتتفكهون منه. ويشمل الملبوس،