يقول الحق جلّ جلاله: اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ القرآن، أو: جنس الكتاب، بِالْحَقِّ ملتبساً بالحق في أحكامه وأخباره، أو: بما يحق إنزاله من العقائد والأحكام، وَالْمِيزانَ وأنزل العدل والتسوية بين الناس، أي: أنزله في كتبه المنزلة، وأمر به، أو: الشرع الذي يُوزن به الحقوق، ويساوي بين الناس. وقيل: هو عين الميزان، أي: الآلة، أنزله في زمن نوح عليه السلام. وَما يُدْرِيكَ أيَّ شيء يجعلك عالماً لَعَلَّ السَّاعَةَ التي أخبر بها الكتاب الناطق بالحق قَرِيبٌ مجيئها. وضمّن الساعة معنى البعث فذكر الخبر، وقيل: وجه المناسبة في ذكر الساعة مع إنزال الكتاب: أن الساعة يقع فيها الحساب ووضع الموازين بالقسط، فكأنه قيل: أمركم الله بالعدل والتسوية، والعمل بالشرائع، فاعملوا بالكتاب والعدل قبل أن يفاجئكم يوم حسابكم، ووزن أعمالكم.
يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها استعجال إنكار واستهزاء، وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ خائفون مِنْها وجلون لهولها، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ الكائن لا محالة، أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ يجادلون فيها، من: المرية، أو: المماراة والملاحاة، أو: من: مريت الناقة: إذا مسحت ضرعها بشدة للحلب لأن كُلاًّ من المتجادلين يُخرج ما عند صاحبه بكلام فيه شدة. لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ عن الحق لأن قيام الساعة أظهر من كل ظاهر، وقد تواترت الشرائع على وقوعها، والعقول تشهد أنه لا بد من دار الجزاء، وإلا كان وجود هذا العالم عبثاً.
اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ أي: برّبهم في إيصال المنافع ودفع المضار، أوصل لهم من فنون الألطاف ما لا تكاد تناله أيدي الأفكار والظنون. وقيل: هو مَن لطُف بالغوامض علمه، وعظُم عن الجرائم حلمه، أو: مَن ينشر المناقب