للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتحقق بعبوديته، فهي عينها، فمن انتسب إليهم فقد انتسب إلى الله، ومن أحبهم فإنما أحب الله، فمحبتهم، والاجتماع معهم يؤدي إلى محبة الله ورضوانه، وهم الذين يكونون عن يمين الرحمن، يغشى نورُهُم الناس يوم القيامة، يغبطهم النبيون والشهداء لمنزلتهم عند الله. قال عليه الصلاة والسلام: لما سئل عنهم: «هم رجالٌ من قبائلَ شتى، يجتمعون على ذكر الله ومحبته» أو كما قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث «١» . والله تعالى أعلم.

ثم ذكر جواب أهل النار، فقال:

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١٠٦ الى ١١٤]

قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠)

إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١) قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤)

يقول الحق جلّ جلاله: قالُوا أي: أهل النار: رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا أي: ملكتنا شِقْوَتُنا: شقاوتنا التي اقترفناها بسوء اختيارنا، كما يُنبئ عنه إضافتها إلى أنفسهم، أي: شقينا بأعمالنا السيئة التي عملناها، ولا يصح حمله على الشقاوة الأزلية لأنهم غير مكلفين بصرفها عنهم إذ ليس في اختيارهم. وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ عن الحق، ولذلك فعلنا ما فعلنا من التكذيب، وهذا، كما ترى، اعتراف منهم بأن ما أصابهم إنما أصابهم بسوء صنعهم، وأمَّا ما قيل: من أنه اعتذار منهم بغلبة ما كتب عليهم من الشقاوة الأزلية، فلا يصح لأن الله تعالى ما كتب عليهم الشقاء حتى علم أنهم يفعلونه باختيارهم، بحسب الظاهر فى عالم الحكمة، فيكون اعترافهم إنما هو بما كان فى اختيارهم، لا بما كتب عليهم.

ثم قالوا: رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ أي: أخرجنا من النار، وردنا إلى الدنيا، فإن عدنا بعد ذلك إلى ما كنا عليه من الكفر والمعاصي، فإنا متجاوزون الحد في الظلم، ولو كان اعتقادهم أنهم مجبورن على


(١) عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليبعثن الله أقواما يوم القيامة، فى وجوههم النور، على منابر اللؤلؤ، يغبطهم الناس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء» قال: فجثا أعرابى على ركبتيه فقال: يا رسول الله، حلّهم لنا نعرفهم؟ قال: «هم المتحابون فى الله من قبائل شتى، وبلاد شتى، يجتمعون على ذكر الله تعالى، يذكرونه» قال الهيثمي فى مجمع الزوائد (١٠/ ٧٧) رواه الطبراني وإسناده حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>