للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ أي: موزونات حسناته من العقائد الصحيحة والأعمال الصالحة، فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزون بكل مرغوب، الناجون من كل مرهوب، وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ أي: ومَن لم يكن له من العقائد والأعمال ما يوزن- وهم الكفار- لقوله: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً «١» ، وتقدم ما فيه. فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ: ضيعوها بتضييع زمان استكمالها، وأبطلوا استعدادها لنيل كمالها، فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ، وهو خبر ثان لأولئك، أو بدل من الصلة، وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال: (يؤخذ بيد العبدِ أو الأمة يوم القيامة، فينصب على رؤوس الأولين والآخرين، ثم ينادي مناد: هذا فلان بن فلان، من كان له حق فليأت إلى حقه، فتفرح المرأة أن يدور لها الحق على ابنها، أو على زوجها، أو على أبيها، أو على أخيها، ثم قرأ ابن مسعود:

فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ، ثم يقول الرب تعالى: آت هؤلاء حقوقهم، فيقول: ربِّ، فنيت الدنيا فمن أين آتيهم؟ فيقول للملائكة: خذوا من حسناته فأعطوا كل إنسان بقدر طلْبته.....) إلخ الحديث «٢» ، انظر النسفي.

قال تعالى: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ تحرقها، واللفح كالنفخ، إلاَّ أنه أشد تأثيراً منه، وتخصيص الوجوه بذلك لأنها أشرف الأعضاء. وَهُمْ فِيها كالِحُونَ: عابسون من شدة الإحراق، والكلوح: تقلص الشفتين من الإنسان، قال النبي صلى الله عليه وسلم في كالحون: «تَشْوِيهِ النَّارُ فَتَقلَّص شَفَتَهُ العُلْيَا، حَتَّى تَبْلُغَ وَسَطَ رَأَسِهِ، وَتَسْتَرخِي السُّفْلَى حَتَّى تَبْلُغَ سُرَّته» «٣» . فيقال لهم- تعنيفاً وتذكيراً لما به استحقوا ما ابتلوا به: أَلَمْ تَكُنْ آياتِي أي: القرآن تُتْلى عَلَيْكُمْ في الدنيا فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ حينئذٍ، فذوقوا وبال ما كنتم به تُكَذِّبون. نسأل الله التوفيق والهداية.

الإشارة: قال الترمذي الحكيم: الأنساب كلها منقطعة إلا من كانت نسبته صحيحة في عبودية ربه، فإن تلك نسبة لا تنقطع أبداً، وتلك النسبة المفتخر بها، لا نسبة الأجناس من الآباء والأمهات والأولاد. هـ. وقال الورتجبي:

عند المعاينة والمشاهدة بوجوده ونشر جوده، نسبهم هناك نسب المعرفة والمحبة الأزلية، واصطفائيته القدسية، لا يفتخرون بشيء دونه، من العرش إلى الثرى، ولا يتساءلون شغلاً بما هم فيه. هـ.

ومعنى كلام الشيخين: أن العبد، إذا صحت نسبته إلى مولاه، وانقطع بكليته إليه، ورفض كل ما سواه، اتصلت نسبته، ودامت محبته وأنسه، ومن تعلق بغيره، وتودد إلى ما سواه، انقطع ذلك وانفصل، ومن النسب التي تتصل وتدوم، النسبة إلى أولياء الله، والتحبب إليهم وخدمتهم، وهي في الحقيقة من نسبة الله تعالى لأنها سبب معرفته


(١) من الآية ١٠٥ من سورة الكهف.
(٢) أخرج رواية ابن عباس، وكذلك، ورواية ابن مسعود، الطبري فى تفسيره.
(٣) أخرجه الإمام أحمد فى المسند (٣/ ٨٨) لترمذى فى (التفسير- تفسير سورة المؤمنون) ، وقال: حسن غريب صحيح، والحاكم (٢/ ٣٩٥) وصححه، ووافقه الذهبي) ، عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>