الذي به تتحقق المجادلة. قاله النسفي. وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ هذا من حسن المجادلة. قال صلى الله عليه وسلم:«إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان باطلاً لم تصدقوهم، وإن كان حقاً لم تكذبوهم»«١» . وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ مطيعون له خاصة، وفيه تعريض باتخاذهم أحبارَهُم ورهبانَهم أرباباً من دون الله.
الإشارة: المناظرة بين العلماء، والمذاكرة بين الفقراء، ينبغي أن تكون برفق ولين عن قلب سليم، بقصد إظهار الحق وتبيين الصواب، أو تنبيه عن الغفلة، أو ترقية في المنزلة، من غير ملاححة، أو مخاصمة، ولا قصد مغالبة لأن العلم النافع، وذكر الله الحقيقي، يُهذب الطبع، ويحسن الأخلاق.
قال في الحاشية: ثم تذكّر حسن رده صلى الله عليه وسلم للقائلين له: السام عليكم، ورفقَه، وقوله لعائشة:«متى عَهدْتِنِي فاحشاً» ؟ يتبين لك مناسبة الوصية بحسن المجادلة في الآية مع ما قبلها، وأن ذلك حال المقيمين للصلاة، الذاكرين الله حقيقة، وأنهم على خُلق جميل وحلم وسمت، لا يستفزهم شيء من العوارض لِمَا رسخ في قلوبهم من نور القُرب الذي محى الطبع وفُحْشه. والله تعالى أعلم. هـ.
يقول الحق جلّ جلاله: وَكَذلِكَ أي: ومثل ذلك الإنزال البديع أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ مصدقاً لسائر الكتب السماوية وشاهداً عليها، فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ التوراة والإنجيل، يُؤْمِنُونَ بِهِ
، وهم عبد الله بن سلام ومن آمن معه، وأصحاب النجاشي، أو: من تقدم عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب، وَمِنْ هؤُلاءِ من أهل مكة، مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، أو: فالذين آتيناهم الكتب قبلك يؤمنون به قبل ظهوره، ومن هؤلاء
(١) أخرجه بنحوه الإمام أحمد فى المسند (٤/ ١٣٦) ، وأبو داود فى (العلم، باب رواية حديث أهل الكتاب ٤/ ٥٩- ٦٠ ح ٣٦٤٤) ، وابن حبان في صحيحه (موارد ح ١١٠ ص ٥٨) ، والطبراني فى الكبير (٢٢/ ٣٤٩) ، والبيهقي فى الكبرى (٢/ ١٠) ، عن أبى نملة الأنصاري. وأصل الحديث فى صحيح البخاري، فى (كتاب الاعتصام، باب قول النبي: لا تسألوا أهل الكتاب عن شىء ح ٧٣٦١) . من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.