للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقاية بينه وبيْن ما يحجبه أو يبعده عنه، فأولئك هم الفائزون الظافرون بمعرفة الله على نعت الشهود والعيان. وبالله التوفيق.

ثم رجع إلى تتمة القسم الأول، حاكيا بعض جنايتهم، فقال:

[سورة النور (٢٤) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٥٣) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٥٤)

قلت: (جهد) : مصدر مؤكد لفعله، الذي هو فى حيز النصب على الحال، من فاعل «أقسموا» ، ومعنى جَهْدِ اليمين: بلوغ غايتها بطريق الإستعارة، من قولهم: جهد نفسه: إذا بلغ أقصى وسعها وطاقتها. وأصل أقسم جهد اليمين: أقسم بجهدِ اليمين جَهداً، فحذف الفعل وقدم المصدر، فوضع موضعه مضافاً إلى المفعول، كقوله:

فَضَرْبَ الرِّقابِ «١» وحكم هذا المنصوب حكم الحال، كأنه قال: أقسموا جاهدين أيمانهم. و (طاعة) : مبتدأ حُذف خبره، أي: طاعة معروفة أولى من تسويفكم، أو: خبر عن محذوف، أي: الذي يطلب منكم طاعة معروفة.

يقول الحق جلّ جلاله: وَأَقْسَمُوا

أي: المنافقون بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ

أي: بلغوا فيها غاية وسعهم، بأن حلفوا بالله. وعن ابن عباس رضي الله عنه: (من حلف بالله فقد جهد يمينه) ، لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ

أي:

قالوا: لئن أمرنا محمد بالخروج للغزو، أو من ديارنا وأموالنا، لخرجنا. وحيث كانت مقالتهم هذه كاذبة ويمينهم فاجرة أمر عليه الصلاة والسلام- بردها حيث قيل: قُلْ لا تُقْسِمُوا

أي: قل رداً عليهم، وزجراً عن التفوه بها: لا تحلفوا وأنتم كاذبون، طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ

، تعليل للنهي، أي: لا تُقسموا على ما تدعون من الطاعة لأن طاعتكم طاعة نفاقية، معروفة بالنفاق، واقعة باللسان فقط من غير مواطأة للقلب. وإنما عبّر عنها بمعروفة للإيذان بأن كونها نفاقية مشهور معروف لكل أحد. وحملها على الطاعة الحقيقة، على حذف المبتدأ أو الخبر، مما لا يُساعده المقام. انظر أبا السعود.

قال القشيري: طاعة في الوقت أولى من تسويفٍ في الوعد، ولا تعِدُوا بما هو معلوم أنكم لا تفوا به. هـ. وقال النسفي: طاعة معروفة أمثل وأولى بكم من هذه الأيمان الفاجرة. أو: الذي يطلب منكم طاعة معروفة معلومة لا يُشك فيها ولا يُرتاب، كطاعة الخُلص من المؤمنين، لا أيمان تقسمونها بأفواهكم، وقلوبُكُم على خلافها. هـ.


(١) من الآية ٥ من سورة سيدنا محمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>