التوحيد، وجولان الروح في فضاء أسرار التفريد. وظل روحها وريحانها دائم، وهو: سكون القلب إلى الله، وفرح الروح بشهود الله. وإليه أشار ابن الفارض بقوله، رحمه الله، فى وصف خمرتها:
يقول الحق جلّ جلاله، في حق من سبقت له السعادة: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ كعبد الله بن سلام ومخيريق وأصحابهما، ومن أسلم من النصارى، وهم: ثمانون رجلاً: أربعون بنجران، وثمانية باليمن، واثنان وثلاثون من الحبشة. أو: كل مَن آمن مِن أهل الكتاب، فإنهم كانوا يَفْرَحُونَ بما يوافق كتبهم. ثم ذكر ضدهم فقال: وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ أي: ومن كَفَرتهِم الذين تحزّبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة والشحناء ككعب بن الأشرف وأصحابه من اليهود، والعاقب والسيد وأشياعهما من النصارى، مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ، وهو ما يخالف شرائعهم التي نُسخت به، أو ما يوافق ما حرّفوا منها.
قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ، وهو جواب للمنكرين، أي: قل لهم: إنما أمرت فيما أنزل إليَّ أن أعبد الله وأوحده، وهو العمدة في الأديان كلها، فلا سبيل لكم إلى إنكاره. وأما إنكاركم ما يخالف شرائعكم فليس ببدع مخالفة الشرائع والكتب الإلهية في جزئيات الأحكام لأنها تابعة للمصالح والعوائد، وتتجدد بتجددها. إِلَيْهِ أَدْعُوا لا إلى غيره، وَإِلَيْهِ مَآبِ أي: وإليه مرجعي بالبعث لا إلى غيره. وهذا هو القدْر المتفق عليه من الشرائع، وهو الأمر بعبادة الله وحده، والدعاء إليه، واعتقاد المآب إليه، وهو الرجوع بالبعث يوم القيامة فلا يخالف ما قبله من الشرائع، فلا معنى للإنكار حينئذٍ.