فإِنْ لاحَ لقلبك وَجْهٌ من التحقيق فكن مع ما أريد، وإن بقي الحال على حدِّ الالتباس فَكِلْ عِلْمَه إلى الله، وقِفْ حيثما وقفت. ويقال: الفرق بين من قام بالعلم، ومن قام بالحق: أنَّ العلماء يعرفون الشيء أولاً، ثم يعملون بعلمهم، وأصحابُ الحقائق يجْرِي، بحكم التصريف عليهم، شيءٌ، ولا عِلمَ لهم به على التفصيل، وبعد ذلك يُكْشَف لهم وجههُ، فربما يجري على لسانهم شيءٌ لا يدرون وَجْهَه، ثم بعد فراغهم من النطق به يظهر لقلوبهم برهانُ ما قالوه من شواهد العلم إذ يتحقق ذلك بجريان الحال في ثاني الوقت. انتهى. قلت: وإلى هذا المعنى أشار في الحكم العطائية بقوله: الحقائق تَرِدُ في حال التجلي مُجْمَلَةً، وبعد الوعي يكون البيان، فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ.
قوله تعالى: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً، ورد في بعض الأخبار، في صفة مشي الصوفية: أنهم يدبون على أقدامهم دبيب النمل، متواضعين خاشعين، ليس فيه إسراع مُخل بالمروءة، ولا اختيال مُخل بالتواضع. والله تعالى أعلم.
ثم أمر بالرجوع إلى كتابه، فقال:
[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٤١]]
وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤١)
يقول الحق جلّ جلاله: وَلَقَدْ صَرَّفْنا بيَّنا فِي هذَا الْقُرْآنِ من الأمثال والعبر، والوعد والوعيد لِيَذَّكَّرُوا ليتعظوا به، وَما يَزِيدُهُمْ ذلك إِلَّا نُفُوراً عن الحق وعنادًا له.
الإشارة: من شأن القلوب الصافية: إذا سمعت كلام الحبيب فرحت واهْتَزت، أو خشعت واقشعرت من هيبة المتكلم، كلٌّ على ما يليق بمقامه، ومن شأن القلوب الخبيثة المكدرة: نفورها من كلام الحق إذ الباطل لا يُقاوم الحق، ولا يطيق مواجهته. والله تعالى أعلم.
ثم أبطل مذاهب أهل الشرك، فقال:
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٢ الى ٤٤]
قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (٤٣) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤٤)
يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ يا محمد: لَوْ كانَ مَعَهُ في الوجود آلِهَةٌ تستحق أن تُعبد، كَما يَقُولُونَ «١» أيها المشركون، أو كما يقول المشركون أيها الرسول، إِذاً لَابْتَغَوْا لطلبوا
(١) قرأ حفص وابن كثير: (يقولون) بالياء، وقرأ الآخرون بالتاء،، انظر الإتحاف (٢/ ١٩٩) .