للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا طريقًا يقاتلونه. وهذا جواب عن مقالتهم الشنعاء. والمعنى: لطلبوا إلى من هو ملك الملك طريقًا بالمعاداة، كما تفعل الملوك بعضهم مع بعض. وهذا كقوله: إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ «١» . وقيل: لابتغوا إليه سبيلاً بالتقرب إليه والطاعة لعلمهم بقدرته، وتحققهم بعجزهم، كقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ «٢» . ثم نزّه نفسه عن ذلك فقال: سُبْحانَهُ تنزيهًا له وَتَعالى ترافع عَمَّا يَقُولُونَ من الشركاء، عُلُوًّا تعاليًا كَبِيراً لا غاية وراءه. كيف لا وهو تعالى في أقصى غاية الوجود! وهو الوجوب الذاتي، وما يقولونه من أنَّ له تعالى شركاء وأولادًا، في أبعد مراتب العدم، أعني: الامتناع لأنه من خواص المحدثات الفانية.

تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ «٣» أي: تنزهه، وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ كلها تدل على تنزيهه عن الشريك والولد، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ينزهه عما هو من لوازم الإمكان، وتوابع الحدوث، بلسان الحال، حيث تدل بإمكانها وحدوثها على الصانع القديم، الواجب لذاته. قاله البيضاوي. وظاهره: أن تسبيح الأشياء حَالِيُّ لا مقالي، والراجح أنه مقالي. ثم مع كونه مقالياً لا يختص بقول مخصوص، كما قال الجلال السيوطي، أي:

تقول: سبحان الله وبحمده. بل كل أحد يُسبح بما يناسب حاله. وإلى هذا يرشد كلام أهل الكشف، حتى ذكر الحاتمي: أن من لم يسمعها مختلفة التسبيح لم يسمعها، وإنما سمع الحالة الغالبة عليه. وورد في الحديث:

«ما اصطيد حوت في البحر، ولا طائر يطير، إلاَّ بما ضيع من تسبيح الله تعالى» «٤» . وفي الحديث أيضًا: «ما تطلع الشمس فيبقى خلق من خلق الله، ألا يسبح الله بحمده، إلا ما كان من الشيطان وأعتى بني آدم» . «٥»

ومذهب أهل السنة: عدم اشتراط البِنية للعلم والحياة، فيصح الخشوع من الجماد، والخشية لله والتسبيح منه له.

وقد قال ابن حجر على حديث حنين الجذع: فيه دلالة على أن الجمادات قد يخلق الله لها إدراكًا كالحيوان، بل كأشرف الحيوان، وفيه تأييد لمن يحمل قوله: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ على ظاهره. هـ.

وقال ابن عطية: اختلف أهلُ العلم في هذا التسبيح فقالت فرقة: هو تجوز، ومعناه: أن كل شيء تبدو فيه صفة الصانع الدالة عليه، فتدعو رؤية ذلك إلى التسبيح من المعتبر. وقالت فرقة: قوله: مِنْ شَيْءٍ: لفظه عموم،


(١) من الآية ٩١ من سورة المؤمنون.
(٢) من الآية ٥٧ من سورة الإسراء.
(٣) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص ويعقوب: (تسبح) بالتاء، وقرأ الآخرون بالياء، انظر: الاتحاف ٢/ ١٩٩.
(٤) عزاه السيوطي فى الدر (٤/ ٣٣٣) لأبى الشيخ عن مرثد بن أبى مرثد. [.....]
(٥) ذكره السيوطي بنحوه فى الدر (٤/ ٣٣٢) وعزاه لابن مردويه، عن عمرو بن عبسة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>