يقول الحق جلّ جلاله: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ) كما نصركم يوم بدر، (فلا غالب لكم) من أحد من الناس، (وإن يخذلكم) كما خذلكم يوم أحد، (فمن) هذا (الذي ينصركم من بعده) تعالى، أي: فلا ناصر سواه. وهذا تنبيه على الحث على التوكل، وتحريض على ما يستوجب به النصر، وهو الاعتماد على الله، وتحذير مما يستوجب الخذلان، وهو مخالفة أمره وعصيان رسوله، أو الاعتماد على غيره، ولذلك قال: (وعلى الله فليتوكَّل المؤمنون) لِمَا علموا ألا ناصر سواه.
الإشارة: إن ينصركم الله على مجاهدة النفوس، ودوام السير إلى حضرة القدوس، فلا غالب لكم من النفس، ولا من الناس ولا من الهوى ولا من الشيطان، وإن يخذلكم- والعياذ بالله- فمن ذا الذي ينصركم من بعد خذلانه لكم؟ فليعتمد المريد في سيره على مولاه، وليستنصر به في قطع حظوظه وهواه، فإنه لا ناصر له سواه. وأنشدوا:
إِذَا كَانَ عُوْنُ اللهِ لِلمَرْءِ نَاصِراً ... تَهَيَّأ لَهُ مِنْ كُلِّ صَعْبِ مُرَادُهُ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِن اللهِ للْفَتَى ... فَأَكْثَرُ مَا يَجْنِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.
ولما تبادرت الرماة إلى الغنيمة كما تقدم، وقع فى وهمهم أنه- عليه الصلاة والسلام- يحرمهم من الغنيمة، وذلك غلول لا يليق بحاله- عليه الصلاة والسلام-، فنزه الله نبيه عن ذلك، فقال:
[[سورة آل عمران (٣) : آية ١٦١]]
وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦١)
قلت: الغلول: السرقة من الغنائم، فمن قرأ بفتح الياء وضم الغين، فمعناه: لا ينبغي له أن يأخذ شيئاً من الغنيمة خفية، والمراد: تبرئة رسوله- عليه الصلاة والسلام- من ذلك. ومَن قرأ بضم الياء ففيه وجهان: أحدهما:
أن يكون المعنى، ما كان لنبي أن يُخان، أي: أن تخونه أُمّتُه في المغانم، وكذلك الأمراء، وإنما خص النبيَّ صلى الله عليه وسلم بذلك لبشاعة ذلك مع النبيّ لأن المعاصي تعظم بحضرته، والثاني: أن يكون المعنى: ما كان لنبي أن يُنسب إلى الخيانة كقوله: فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ أي: لا ينسبونك إلى الكذب.
يقول الحق جلّ جلاله: ما كانَ ينبغي لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ويأخذ شيئاً من الغنيمة خفية لأن ذلك خيانة والنبوة تنافي ذلك، والمراد: نزاهة الرسول- عليه الصلاة والسلام- عن ذلك، كقوله: مَا كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ