قلت:(أحياء) و (أموات) خبران عن مبتدأ مضمر، والابتلاء هو الاختبار، حيثما ورد في القرآن، ومعناه في حقه تعالى: أنه يظهر في الوجود ما في علمه لتقوم الحجة على العبد، وليس كاختبار الناس بعضهم بعضاً لأن الله علم ما كان وما يكون، والصلاة هنا المغفرة والتطهير، والرحمة: اللطف والإحسان.
يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا على نيل رضواني وبرِّي وإحساني بِالصَّبْرِ على مشاق الطاعات وترك المعاصي والهفوات، وبالصلاة التي هي أم العبادات، ومحل المناجاة ومعدن المصافاة، فيها تشرق شوارق الأنوار، وتتسع ميادين الأسرار، وهي معراج أرواح المؤمنين ومناجاة رب العالمين، فإن تجرعتم مرارة الصبر فإن اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ، وأعظم مواطن الصبر عند مفارقة الأحباب، وذهاب العشائر والأصحاب، فإن كان موتهم في الجهاد فلا ينبغي لأجلهم أسف ولا نكاد لأنهم أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وكذلك من ألحق بهم من ذي هَدْم وغَرَق وحرق ونفاسٍ وطاعون، فلا تقولوا لمن يقتل فِي سَبِيلِ اللَّهِ من هؤلاء: هم أَمْواتٌ، بَلْ هم أَحْياءٌ حياة روحانية لا بشرية، وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ بحياتهم لأنهم مجرد أرواح، وأنتم قد لبستم طلسم الأشباح، فاختفى عنكم مقام الأرواح، وكذلك أرواح المؤمنين كلهم أحياء.
وإنما خصّ الشهداء لمزيد بهجة وكرامة. وإجراء رزقهم عليهم دون غيرهم، ففي الحديث:«أرْواحُ الشُّهَداءِ في حَواصِل طَيرٍ خضرٍ تَعَلقُ من ورق الجنة» . أي: تأكل، وفي حديث آخر:«يَخْلُقُ اللهُ الشهداءَ جُسوماً على صُورةٍ طيرٍ خُضرٍ، فتكونُ في حَواصِلهَا، فَتسْرحُ بِها في الجَنة، وتأكلُ مِنْ ثمارِها، وتنالُ مِنْ خَيراتِها ونَعِيمها، حتى تُحشرَ مِنها يومَ القِيامَةِ» .