للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (ولا تأخذكم..) إلى آخر ما تقدم. وقيل: المراد بالآيات المبينات والمثل والموعظة: جميع ما في القرآن المجيد من الأمثال والمواعظ. والله تعالى أعلم.

الإشارة: كل من أمر بالمعصية ودلَّ عليها، أو رضي فعلها، فهو شريك الفاعل في الوزر، أو أعظم. وكل من أمر بالطاعة ودلّ عليها فهو شريك الفاعل في الثواب، أو أعظم. وفي الأثر: «الدَّالُّ عَلَى الخَيْرِ كَفَاعِلِه» «١» .

قال القشيري: حامِلُ العاصي على زَلَّته، والداعي له إلى عَثْرَته، والمُعِينُ له على مخالفته، تتضاعف عليه العقوبة، وله من الوِزْرِ أكثرُ من غيره، وعكسه لو كان الأمر في الطاعة والإعانة على العبادة. هـ. ومن هذا القبيل:

تعليم العلم لمن تحقق أنه يطلب به رئاسةً أو جاهاً، أو تَوَصُّلاً إلى الدنيا المذمومة، أو عَلِمَ منه قصداً فاسداً، فإن تحقق ذلك وعَلِمَه، فهو مُعين له على المعصية، كمن يعطي سيفاً لمن يقطع به الطريق على المسلمين. والله تعالى أعلم.

ثم إن أنوار الشريعة، وهى أحكام المعاملة الظاهرة، تهدى إلى أنوار الطريقة، وهى أحكام المعاملة الباطنة، وأنوار الطريقة تهدى إلى أنوار الحقيقة، وأنوار الحقيقة تصيّر الكون كلّه نورا، كما قال تعالى:

[[سورة النور (٢٤) : آية ٣٥]]

اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥)

يقول الحق جلّ جلاله: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: منور أهلهما [بنور الإسلام والإيمان لأهل الإيمان] «٢» ، وبنور الإحسان لأهل الإحسان، فحقيقة النور: هو الذي تنكشف به الأشياء على ما هي عليه، حسية أو معنوية، والمراد هنا: المعنوية بدليل قوله: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ، فإن انكشف به أحكام العبودية، باعتبار المعاملة الظاهرة، يُسمّى: نُورُ الإسلام، وإن انكشف به أوصاف الذات العلية وكمالاتها، من طريق البرهان، يُسمى: نُور الإيمان، وإن انكشف به حقيقة الذات وأسرارها، من طريق العيان، يُسمى: نور الإحسان. فالأول: يشبه نور النجوم، والثاني:

نور القمر، والثالث: نور الشمس، ولذلك تقول الصوفية: نجوم الإسلام، وقمر الإيمان، وشمس العرفان.


(١) أخرجه البزار (كشف الأستار ح ١٥٤) عن ابن مسعود، و (ح ١٩٥١) عن أنس، وأخرجه الطبراني فى الأوسط (ح ٣٨٤) من حديث سهل بن سعد. وجاء فى صحيح مسلم: «من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله» . أخرجه مسلم فى (الإمارة، باب فضل إعانة الغازي، ٣/ ١٥٠٦ ح ١٨٩٣) من حديث أبى مسعود البدري.
(٢) أرى أن تكون العبارة هكذا [بنور الإسلام لأهل الإسلام، وبنور الإيمان لأهل الإيمان] .

<<  <  ج: ص:  >  >>