للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ضرب المثل لذلك النور، حين يقذفه في قلب المؤمن، فقال: مَثَلُ نُورِهِ أي: صفة نوره العجيبة في قلب المؤمن- كما هي قراءة ابن مسعود- كَمِشْكاةٍ أي: كَصِفَةِ مِشْكَاةٍ، وهي الكُوَّةُ في الجدار غير النافذة لأن المصباح فيها يكون نوره مجموعاً، فيكون أزهر وأنور، فِيها مِصْباحٌ أي: سراج ضخم ثاقب، الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ أي: في قنديل من زجاج صافٍ أزهر، الزُّجاجَةُ من شدة صفائها كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ بضم الدال وتشديد الراء، منسوب إلى الدر لفرط ضيائه وصفائه، وبالكسر والهمز: «أبو عمرو» على أنه يدْرأ الظلام بضوئه. وبالضم والهمز: أبو بكر وحمزة، شبهه بأحد الكواكب الدراري، كالمشتري والزهرة ونحوهما.

تَوَقَدُ «١» بالتخفيف والتأنيث، أي: الزجاجة، أو يُوقَدُ بالتخفيف والغيب، أو: تَوَقَّدَ بالتشديد، أي:

المصباح مِنْ شَجَرَةٍ أي: من زيت شجرة الزيتون، أي: رويت فتيلته من زيت شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ كثيرة المنافع، أو: لأنها تنبت في الأرض التي بارك فيها للعالمين، وهي الشام، وقيل: بارك فيها سبعون نبياً، منهم إبراهيم عليه السلام.

زَيْتُونَةٍ: بدلٌ من شَجَرَةٍ، من نعتها لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ أي: ليست شرقية فقط، لا تُصيبها الشمس إلا في حالة الشروق، ولا غربية، لا تصيبها إلا في حال الغروب، بل هي شرقية غربية، تصيبها الشمس بالغداة والعشي، فهو أنضر لها، وأجود لزيتونها. وقيل: ليست من المشرق ولا من المغرب، بل في الوسط منه، وهو الشام، وأجودُ الزيتونِ زيتون الشام.

يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ هو في الصفاء والإنارة بحيث يكاد يضيء بنفسه من غير مسَاسٍ نَارٍ أصلاً. نُورٌ عَلى نُورٍ أي: نور المصباح متضاعف على نور الزيت الصافي، فهذا مثال النور الذي يقذفه الله في قَلبِ المؤمن فالمشكاة هو الصدر، والمصباح نور الإيمان أو الإسلام أو الإحسان، على ما تقدم، والزجاجة هو القلب الصافي، ولذلك شبهه بالكوكب الدُرّيّ، والزيت هو العِلْمُ النافع الذي يقوي اليقين. ولذلك وصفه بالصفاء والإنارة. يكاد صاحبه تشرق عليه أنوار الحقائق، ولو لم يمسسه علمها. نُورٌ عَلى نُورٍ أي: نور الإيمان مُضَافٌ إلى نور الإسلام، أو نور الإحسان مضاف إلى نور الإيمان والإسلام،


(١) قرأ نافع، وابن عامر، وحفص، بياء من تحت مضمومة، مع إسكان الواو، وتخفيف القاف، ورفع الدال، على التذكير، مبنيا للمفعول من «أوقد» أي: المصباح. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وأبو جعفر، ويعقوب، بتاء من فوق، وفتح الواو والدال، وتشديد القاف، على وزن «تفعل» فعلا ماضيا، فيه ضمير يعود على المصباح. وقرأ أبو بكر، وحمزة، والكسائي، بالتاء من فوق، مضمومة، وإسكان الواو، وتخفيف القاف، ورفع الدال، على التأنيث، مضارع «أوقد» مبنى على المفعول. ونائب الفاعل ضمير يعود على «زجاجة» . انظر الإتحاف (٢/ ٢٩٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>