للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحال أولئك المهلكين، ويجتنبوا تعاطي ما كانوا يتعاطونه من الكفر والمعاصي ومخالفة الرسول، فيؤمنوا بالله تعالى ويطيعوا رسوله، كي لا يحل بهم ما حلّ بأولئك، أو: إن فيما فُصل من القصة من حيث حكايته عليه السلام إياها على ما هي عليه، من غير أن يسمعها من أحد، لآية عظيمة دالة على ان ذلك بطريق الوحي الصادق، موجبة للإيمان بالله تعالى، وتصديق من جاء بها وطاعته.

وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ أي: وما كان اكثر هؤلاء المكذبين الذين سمعوا قصصهم منه- عليه الصلاة والسلام- مؤمنين، فلم يقيسوا حاله صلى الله عليه وسلم بحال موسى، وحال أنفسهم بحال أولئك المهلَكين، ولم يتدبروا فى حكايته صلى الله عليه وسلم لقصتهم من غير أن يسمعها من أحد، مع كونه أمياً لا يقرأ، وكل من الطريقين مما يؤدي إلى الإيمان، قطعاً لانهماكهم في الغفلة، فكان على هذا، زائدة، كما هو رأي سيبويه، فيكون كقوله تعالى: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ «١» وهو إخبار منه تعالى بعدم إيمانهم في المستقبل، أو: وما كان أكثر أهل مصر مؤمنين بموسى عليه السلام، قال مقاتل: لم يؤمن من أهل مصر غير رجل وامرأتين حزقيل المؤمن من آل فرعون، وآسية امرأة فرعون، ومريم بنت ياموشى، التي دَلَّتْ على عظام يوسف. هـ.

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب على كل ما يريد من الأمور، التي من جملتها: الانتقام من المكذبين، الرَّحِيمُ البالغ في الرحمة، ولذلك أمهلهم ولم يعاجل عقوبتهم، أو: العزيز بالانتقام من أعدائه، الرحيم بالانتصار لأوليائه. جعلنا الله من خاصتهم بمنِّه وكرمه، آمين.

الإشارة: قوله تعالى: إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ: اعلم أن المعية تختلف باختلاف المقام، فالمعية، باعتبار عامة الخلق، تكون بالإحاطة والقهرية والعلم والإقتدار، وباعتبار الخاصة تكون بالحفظ والرعاية والنصر والمعونة. فمن تحقق أن الله معه بعلمه وحفظه ورعايته اكتفى بعلمه، وفوض الأمر إلى سيده، وكلما قوي التفويض والتسليم دلّ على رفع المقام، ولذلك فضَّل ما حكاه الحق تعالى عن حبيبه بقوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَنا «٢» ، على ما حكى عن كليمه بزيادة قوله: سَيَهْدِينِ فتأمل. والله تعالى أعلم.

ثم ذكر قصة إبراهيم عليه السلام لما فيها من الرد على أهل الشرك تقبيحا لما عليه قريش والعرب، مع كونهم من ذريته، فقال:

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٦٩ الى ٨٢]

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (٦٩) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (٧٠) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (٧١) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣)

قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨)

وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢)


(١) من الآية ١٠٣ من سورة يوسف.
(٢) كما جاء فى الآية ٤٠ من سورة التوبة. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>