للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة ق (٥٠) : الآيات ١٦ الى ٢٢]

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) مَّا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠)

وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢)

يقول الحق جلّ جلاله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ أي: ما تُحدِّثه نفسُه ويهجس في ضميره من خير وشر. والوسوسة: الصوت الخفي، ووسوسة النفس: ما يخطر بالبال. والضمير في «به» ل «ما» إن جعلتها موصولةً، والباء كما في: صَوَّت بكذا، أو: للإنسان، إن جعلتها مصدرية. والباء حينئذ للتعددية.

وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ أي: أعلم بحاله مما كان أَقرَبُ إِلَيهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. والحبل: العرق، وإضافته بيانية والوريدان: عرقان مكتفان بصفحتي العنق في مقدمه متصلان بالوتين، والوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه. قاله في القاموس، يَرِدان من الرأس إليه، وقيل: سُمي وريد لأن الماء يرده.

إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ أي: الملكان الحافظان لأعمال العبد. والظرف: منصوب بما في «أقرب» من معنى الفعل، أي: يتقرب إذ يتلقى. والمعنى: أنه تعالى لطيف يتوصل علمُه إلى ما لا شيء أخفى منه، وهو أقرب للإنسان من كل قريب، حين يتلقى الحافظان ما يُتلفظ به، وفيه إيذان بأنه تعالى غنيٌّ عن استحفاظها لإحاطة علمه بما يخفى عليهم، وإنما ذلك لما في كتبهما وحفظهما لأعمال العباد، وعرض صحائفها يوم يقوم الأشهاد، وعلم العبد بذلك مع علمه بإحاطته بتفاصيل أحواله من زيادة لطف به في الكف عن السيئات، والرغبة في الحسنات. ثم ذكر مكانهما بقوله: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ أي: عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، وحذف الأول للدلالة الثاني عليه.

وقعيد: بمعنى مقاعد، كالجليس بمعنى المجالس، أو: بمعنى قاعد، كالسميع والعليم. وعنه صلّى الله عليه وسلم: «إن مقعد ملَكيْك على ثَنِيَّتِيك، ولسانك قلمهما، وريقك مدادُهما، وأنت تجري فيما لا يعنيك لا تستحيى من الله ولا منهما!» «١» وقال الضحاك: مجلسهما تحت الثغر من الحَنَك، ورواه عن الحسن «٢» ، وكان يُعجبه أن ينظف عنفقته «٣» .


(١) ذكره بلفظه القرطبي فى التفسير (٧/ ٦٣٦٥) عن سيدنا علىّ رضي الله عنه، مرفوعا، وقال السيوطي فى الدر المنثور (٦/ ١١٨) : أخرج أبو نعيم والديلمي، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه. مرفوعا: إن الله لطّف الملكين الحافظين حتى أجلسهما على النّاجذين، وجعل لسانه قلمهما، وريقه مدادهما» .
(٢) العبارة فى القرطبي: ورواه عوف عن الحسن قال: وكان يعجبه. إلخ.
(٣) العنفقة: شعيرات بين الشفة السفلى والذقن. انظر: النهاية (عنفق ٣/ ٣٠٩) . [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>