يقول الحق جلّ جلاله: قالَ موسى عليه السلام لفرعون، لَمَّا هدده بالسجن: أَوَلَوْ أتفعل ما ذكرت من سجني ولو جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ واضح الدلالة على صدقي، وتوحيد رب العالمين. يريد به المعجزة فإنها جامعة بين الدلالة على وجود الصانع وحكمته، وبين الدلالة على صدق دعوى من ظهرت على يده.
والتعبير عنه بالشيء للتهويل. قالَ فرعون: فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فيما قلتَ من الإتيان بالشيء الواضح على صدق دعواك، أو: من الصادقين في دعوى الرسالة.
فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ أي: ظاهر ثعبانيته، لا أنه تخيل بما يشبهه كشأن الشعوذة والسحر. رُوي إنها ارتفعت في السماء قدر ميل، ثم انحطت مقبلة على فرعون، تقول: يا موسى مُرني بما شئت، فيقول فرعون:
أسألك بالذي أرسلك إلا اخذتها، فأخذها، فعادت عصا. وَنَزَعَ يَدَهُ أي: أخرجها من تحت إبطه، فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ أي: بياضاً خارجاً عن العادة، بحيث يجتمع النظارة على النظر إليه لخروجه عن العادة.
رُوي أن فرعون لما أبصر الآية الأولى قال: هل لك غيرها؟ فأخرج يده، وقال لفرعون: ما هذه؟ قال: يدك، فأدخلها تحت إبطه، ثم نزعها، ولها شعاعٌ يكاد يُغشي الأبصار ويسدّ الأفق. فسبحان القادر على كل شيء.
الإشارة: النفوس الفرعونية هي التي تتوقف في الصدق والإيمان على ظهور المعجزة أو الكرامة، وأما النفوس الزكية فلا تحتاج إلى معجزة ولا كرامة، بل يخلق الله فيها الهداية والتصديق بطريقة الخصوصية، من غير توقف على شيء. وبالله التوفيق.
قلت:(حوله) : ظرف وقع موقع الحال، أي: مستقرين حوله.
يقول الحق جلّ جلاله: قالَ فرعونُ، لَمَّا رأى ما بهته وحيّره، لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ، وهم أشراف قومه: إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ فائق في فن السحر. ثم أعدى قومه على موسى بقوله: يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ بما صنع مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ تُشيرون في أمره من حبس أو قتل، وهو من المؤامرة، أي: المشاورة، أو: ماذا تأمرون به، من الأمر، لما بهره سلطان المعجزة وحيّره، حط نفسه عن ذروة ادعاء الربوبية إلى حضيض الخضوع لعبيده- في زعمه- والامتثال لأمرهم، وجعل نفسه مأمورة، أو: إلى مقام مؤامرتهم ومشاورتهم، بعد ما كان مستقلاً في الرأي والتدبير.