للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة: أهل الغفلة إذا بعثوا أو ماتوا ندموا على ما فوّتوا، وقصر بين أعينهم ما عاشوا في البطالة والغفلة، كأن لم يَلبثوا في الدنيا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ. فالبدار البدار أيها الغافل إلى التوبة واليقظة، قبل أن تسقط إلى جنبك، فتنفرد رهيناً بذنبك.

فأما أهل اليقظة- وهم العارفون بالله- فقد حصل لهم اللقاء، قبل يوم اللقاء، قد خسر الوصول من كذَّب بأهل الوصول، وما كان أبداً ليهتدي إلى الوصول إلا بصحبة أهل الوصول. وإما نرينك أيها العارف بعضَ الذي نَعدهُم من الوصول لمن تعلق بك، أو نتوفينك قبل ذلك، فإلينا مرجعهم فنوصلهم بعدك بواسطة أو بغيرها. ولكل أمة رسول يبعثه الله يُذكر الناس ويدعوهم إلى الله، فإذا جاء رسولهم قُضي بينهم بالقسط، فيوصل من تبعه ويبعد من انتكبه. والله تعالى أعلم بأسرار كتابه.

ثم أجاب عن قولهم متى هذا الوعد، فقال:

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٤٩ الى ٥٢]

قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠) أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢)

قلت: قدَّم في الأعراف «١» النفع، وهنا الضر لأن السؤال في الأعراف عن مطلق الساعة المشتملة على النفع والضر، وهنا السؤال عن العقاب الذي وعدهم به، بدليل قوله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ. وقوله: إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ منقطع، ويصح الاتصال. وقوله ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ وضع المُظْهَرَ موضع المُضْمَرِ، أي: ماذا تستعجلون منه؟. والجملة الاستفهامية جواب الشرط، كما يقال: إن أتيتك ماذا تعطيني؟، أو محذوف، أي: إن أتاكم ألكم منه منعة أو به طاقة فماذا تستعجلون منه؟

وقال الواحدي: الاستفهام للتهويل والتفظيع، أي: ما أعظم ما تستعجلون منه، كما تقول: أعلمت ماذا تجْني على نفسك؟. أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ، دخلت همزة التقرير على «ثم» العاطفة، أي: إن استعجلتم ثم وقع بكم العذاب آمنتم به حين لا ينفعكم.


(١) فى قوله تعالى: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا.. الآية ١٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>