وقوله: وَامْتازُوا الْيَوْمَ إشارة إلى أن غيبة الرقيب من أتم النعمة، وإبعادَ العدوِّ من أجَلِّ العوارف، فالأولياءُ في إيجاب القربة، والأعداء في العذاب والحجبة. انظر القشيري.
يقول الحق جلّ جلاله، في توبيخ الكفرة يوم القيامة: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، يقال: عهِد إليه: إذا وصّاه. وهذا العهد إما على ألسنة الرسل، أو: يوم: «ألست بربكم» ، أو: ما نصبه لهم من الحُجج العقلية، والدلائل السمعية، الآمرة بعبادته، الزاجرة عن عبادة غيره. وعبادة الشيطان:
طاعته فيما يُوسوس به إليهم، ويُزيِّنه لهم. وَأَنِ اعْبُدُونِي: عطف على «ألاَّ تعبدوا» ، أي: عهدنا إليكم ألاَّ تُطيعوا الشيطان ووحّدوني، وأطيعوني، هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ إشارة إلى ما عهد إليهم فيه من معصية الشيطان، وطاعة الرحمن، أي: هذا طريق بليغ في الاستقامة، لا طريق أقوم منه. وفيه إشارة إلى جنايتهم على أنفسهم بعد النصح التام، فلا حجة بعد الإعذار، ولا ظلم بعد التذكير والإنذار.
وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا أي: خلقاً كَثِيراً- وفيه لغات مذكورة في كتب القراءات- أي: ولقد أتلف الشيطان عن طريقي المستقيم خلقاً كثيراً، بأن أشركوا معي غيري، أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ، قرّعهم على تركهم الانتفاع بالعقل، الذي ركّبه فيهم، حيث استعملوه فيما يضرهم، من تدبير حظوظهم وهواهم. هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ بها، اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ أي: ادخلوا واحترقوا فيها، بكفركم وإنكاركم لها.
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ أي: نمنعهم من الكلام، وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. يُروى: أنهم يجحدون، ويُخاصمون، فتشهد عليهم جيرانهم، وأهاليهم، وعشائرهم، فيحلفون: ما كانوا