فقال له: إن أُمِّي تَسْتَكْسِيكَ الدِّرْعَ الذي عَليْكَ، فَدَخَلَ دَارَهُ ونَزَعَ قَمِيصَهُ وأعْطَاهُ، وقَعَدَ عُرْيَانًا، وأذَّن بلالٌ، وانتظره للصلاة، فلم يخرُجْ، فأنزل الله: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ ... الآية «١» .
ثم سلاَّه بقوله: إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ يوسعه لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ يُضيقه على مَن يشاء. فكل ما يصيبك من الضيق فإنما هو لمصلحة باطنية، إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً يعلم سرهم وعلانيتهم، فيعلم مِنْ مصالحهم ما يخفى عليهم فيرزقهم على حسب مصالحهم، ويضيق عليهم على قدر صبرهم. والحاصل: أنه يعطي كل واحد ما يَصلح به، والله أعلم.
الإشارة: أمر الحق- جل جلاله- رسوله صلى الله عليه وسلم، وخلفاءه ممن كان على قدمه، أن يعطوا حق الواردين عليهم من قرابة الدين والنسب، والمساكين والغرباء، من البر والإحسان حسًا ومعنى كتعظيم ملاقاته، م وإرشادهم إلى ما ينفع بواطنهم، والإنفاق عليهم، من أحسن ما يجد، حسًا ومعنى، وخصوصًا الإخوان في الله. فكل ما يُنفق عليهم فهو قليل في حقهم، ولا يُعد سرفًا، ولو أنفق ملء الأرض ذهبًا. قال في القوت: دعا إبراهيمُ بن أدهم الثوريَّ وأصحابَه إلى طعام، فأكثر منه، فقال له سفيانُ: يا أبا إسحاق أما تخاف أن يكون هذا سرفًا؟ فقال إبراهيم: ليس في الطعام سرف. هـ. قلت: هذا إن قدَّمه إلى الإخوان الذاكرين الله قاصدًا وجه الله، وأما إن قدمه مفاخرة ومباهاة دخله السرف. قاله في الحاشية الفاسية، ومثله في تفسير القشيري، وأنه لا سَرف فيما كان لله، ولو أنفق ما أنفق. بخلاف ما كان لدواعي النفس ولو فلسًا. هـ. وأما الخروج عن المال كله فمذموم، إلا من قوي يقينه، كالصدِّيق، ومن كان على قدمه. وكذلك الاستقراض على الله، واشتراؤه بالدَّين من غير مادة معلومة، إن كان قوي اليقين، وجرّب معاملته مع الحق، فلا بأس بفعل ذلك وإلاَّ فليكف لئلا يتعرض لإتلاف أموال الناس فيتلفه الله. وبالله التوفيق.
ولما أمر بما يقربنا إليه نهى عما يبعدنا عنه، فقال: