للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«لا» في المسيء لتأكيد النفي لطول الكلام بالصلة. قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ «١» أي: تذكراً قليلاً يتذكرون.

وقرىء بالغيبة، والخطاب، على الالتفات. إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها لا شك في مجيئها لوضوح دلائلها، وإجماع الرسل على الوعد بوقوعها، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ لا يُصدقون بوقوعها لقصور نظرهم على ظواهر ما يحسُّون.

الإشارة: التفكُّر في العوالم العلوية والسُفلية، يُوجب في القلب عظمة الحق جلّ جلاله، وباهر قدرته وحكمته، وإتيان البعث لا محالة لنفوذ القدرة في الجميع. وكونُ خلق السموات والأرض أكبر من خلق الإنسان، إنما هو باعتبار الجرم الحسي، وأما باعتبار المعنى فالإنسان أعظم لاشتماله على العوالم كلها، كما قال في المباحث:

اعْقِل فَاَنْتَ نُسْخَةُ الوُجُود ... ِلله ما أعلاَك مِن مَوْجُود

أَلَيْس فِيك العرشُ والكرسِيُّ ... والعَالَمُ العُلْويُّ والسُّفْلِيُّ؟

ثم أمر بعبادته، أو دعائه، بعد بيان عظمة قدرته، ليكون الداعي موقنا بالإجابة، فقال:

[[سورة غافر (٤٠) : آية ٦٠]]

وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (٦٠)

يقول الحق جلّ جلاله: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أي: اعبدوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ أي: أثبكم، ويدل على هذا قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ صاغرين أذلاء، أو: اسألوني أعطكم، على ما أريد، في الوقت الذي أريد. قال القشيري: والحكمة في أنه أمر بالسؤال قبل الإجابة، وبالاستغفار قبل المغفرة، أنه حكم في اللوح أن يعطيك ذلك الشيء الذي تسأله وإن لم تسأل، ولكن أمر بالسؤال، حتى إذا وجدته تظن أنك وجده بدعائك، فتفرح به. قلت: السؤال سبب، والأسباب غطى بها سر قدرته تعالى. ثم قال:

ويقال: إذا ثبت أن هذا الخطاب للمؤمنين فما مِن مؤمنٍ يدعو الله، ويسأله شيئاً، إلا أعطاه إياه، إما في الدنيا، وإما في الآخرة. حيث يقال له: هذا ما طلَبْتَه في الدنيا، وقد ادخرتُه لك إلى هذا اليوم، حتى يَتَمنى العبدُ أنه لم يُعطَ شيئاً في الدنيا. هـ.


(١) قرأ عاصم، وحمزة، والكسائي «تتذكرون» بتاءين من فوق، على الخطاب، وقرأ الباقون بالياء والتاء على الغيب.. انظر الإتحاف (٢/ ٤٣٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>