للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمن مد يده لشهوة من حرام. ومنها: قضية إبراهيم الخواص رضى الله عنه قال: كنت جائعًا في الطريق، فوافيت الرِّي- اسم بلدة- فخطر ببالي أن لي بها معارف، فإذا دخلتها أضافوني وأطعموني، فلمَّا دخلت البلد رأيت فيها مُنكرًا احتجت أن آمر فيه بالمعروف، فأخذوني وضربوني، فقلتُ في نفسي: من أين أصابني هذا، على جوعي؟ فنُوديت في سري: إنك سكنت إلى معارفك بقلبك، ولم تسكن إلى خالقك.

وأمثال هذا كثير بأهل الخصوصية، يُؤدبون على أقل شيء من سوء الأدب لشدة قربهم، ثم يُردون إلى مقامهم. ومن هذا النوع قصة سيدنا يونس عليه السلام حيث خرج من غير إذن خاص، فأدَّبه، ثم رده إلى النبوة والرسالة، وقد كنتُ سمعت من بعض الأشياخ أن أيوب عليه السلام إنما أصيب في ماله، لأنه كان بجوار ماله كافر، فكان يداريه لأجل ماله، فأصيب فيه وفي بدنه تأديبًا وتكميلاً له. والله تعالى أعلم.

ثم ذكر زكريا عليه السّلام فقال:

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٨٩ الى ٩٠]

وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (٩٠)

يقول الحق جلّ جلاله: وَاذكر خبر زَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ في طلب الولد، وقال: رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وحيدًا بلا ولد يرثني، ثم ردّ أمره إليه مستسلمًا، فقال: وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ، فحسبي أنت، وإِنْ لم ترزقني وارثًا فلا أبالي فإنك خير وارث، فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعاءه، وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى ولدًا وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ أي: أصلحناها للولادة بعد عُقمها، أو أصلحناها للمعاشرة بتحسين خلْقها. وكانت قبل سيئة الخلق، إِنَّهُمْ أي: ما تقدّم من الأنبياء، كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ أي: إنما استحقوا الإجابة إلى مطالبهم، وأسعفناهم فيما أمَّلوا لمبادرتهم أبواب الخير، ومسارعتهم إلى تحصيلها، مع ثباتهم واستقرارهم في أصل الخير كله، وهو السر في إتيان: «في» ، دون «إلى» ، المشعرة بخلاف المقصود من كونهم خارجين عن أصل الخيرات، متوجهين إليها، كما في قوله تعالى: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ «١» .

وَكانوا يَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً طمعًا وخوفًا، وهما مصدران في موضع الحال، أو المفعول له، أي:

راغبين في الثواب أو الإجابة، وراهبين من العقاب أو الخيبة، أو للرغبة والرهبة، وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ:


(١) من الآية ١٣٣ من سورة آل عمران.

<<  <  ج: ص:  >  >>