وقال الشيخ أبو طالب المكي رضى الله عنه: الإخلاص عند المخلصين: إخراج الخلق من معاملة الخالق، وأول الخلق:
النفس، والإخلاص عند المحبين: ألا يعمل عملاً لأجل النفس، وألاَّ يدخل عليه مطالعة العوض، أو تشوف إلى حظ طبع، والإخلاص عند الموحدين: خروج الخلق من النظر إليهم، أي: لا يرون مع الله غيره في الأفعال، وترك السكون إليهم، والاستراحة إليهم في الأحوال. هـ.
يقول الحق جلّ جلاله: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ أي: يخلف بعضكم بعضًا، أو خلفاء الله في أرضه تتصرفون فيها بإذنه على أن الخطاب عام، أو خلفاء الأمم السابقة، على أن الخطاب للمسلمين، وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ في الشرف والغناء والقوة والجاه، وفي العلوم والأعمال والأحوال والإخلاص والمعارف، وغير ذلك مما يقع به التفاضل بين العباد، لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ أي: ليختبر شكركم على ما أعطاكم، وأعمالَكم فيما مكنكم فيه من الخلافة.
إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ لمن كفر نعمه، إما في الدنيا لمن عجل أخذه لأن كل آت قريب، وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لمن شكر نعمه وآمن وعمل بطاعته، جمع بين التخويف والترجيه ليكون العبد بينهما. وبالله التوفيق.
الإشارة: من شرف هذا الآدمي أن جعله خليفة عنه، في ملكه، يتصرف فيه بنيابته عنه، ثم إن هذا التصرف يتفاوت على قدر الهمم، فبقدر ما ترتفع الهمة عن هذا العالم يقع للروح التصرف في هذا الوجود، فالعوام إنما يتصرفون فيما ملَّكهم الله من الأملاك الحسية. والخواص يتصرفون بالهمة في الوجود بأسره، وخواص الخواص يتصرفُون بالله، أمرُهم بأمر الله، إن قالوا لشيء: كن- يكون بإذن الله، مع إرادة الله وسابق علمه وقدره، وإلا فالهمم لا تخرق أسوار الأقدار، والحاصل: أن من بقي مع الأكوان شهودًا وافتقارًا، كان محبوسًا معها، ومن كان مع المُكَوِّنِ كانت الأكوان معه، يتصرف فيها بإذن الله، خليفة عنه فيها، وهم متفاوتون في ذلك كما تقدم.
وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ أي: خلفاء عنه تتصرفون في الوجود بأسره بأرواحكم، وأنتم في الأرض بأشباحكم، وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ من أقطاب وأوتاد ونجباء ونقباء وغير ذلك، مما هو مذكور في محله. خرطنا الله في سلكهم ومنحنا ما منحهم، بمنَّه وكرمه، وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم حبيبه ونبيه. آمين- والحمد لله رب العالمين.