يقول الحق جلّ جلاله: ولما برز طالوت بمَن معه لِجالُوتَ، أي: ظهر في البرَاز، ودنا بعضهم من بعض، تضرعوا إلى الله واستنصروه، وقالوا: رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً أي: أصْبُبْه علينا صبّاً، وَثَبِّتْ أَقْدامَنا عند اللقاء لئلا نَفِرّ، وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ. وفي دعائهم ترتيب بليغ سألوا أولاً إفراغ الصبر في قلوبهم الذي هو ملاك الأمر، ثم ثبات القدمِ في مَدَاحِضِ الحرب المُسببِ عنه، ثم النصرَ على العدو المرتب عليها غالباً.
فهزم الله عدوَّهم وأجاب دعاءهم بإذنه وقدرته، وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ. وقصة قتله: أن أصحاب طالوت كان فيهم بنو إيش، وهو أبو داود عليه السلام ستة أو سبعة، وكان داود صغيراً يرعى غنماً، فلما حضرت الحرب قال فى نفسه: لأذهبن لرؤية هذه الحرب، فمرَّ في طريقه، بحجر فناداه: يا داود خُذْني، فبي تقتل جالوت، ثم ناداه حجر آخر ثم آخر فأخذها، وجعلها في مخلاته وسار، فلما حضر البأس خرج جالوت يطلب البراز، وكاع «١» الناس عنه، أي: تأخروا خوفاً، حتى قال طالوت: من يبرز له ويقتله فأنا أزوجه ابنتي، وأُحَكِّمُهُ في مالي، فجاء داود، فقال له طالوت: اركب فرسي وخذ سلاحي، ففعل، وخرج في أحسن شكله، فلما مشى قليلاً رجع، فقال الناس: جَبُنَ الفتى، فقال داود: إن الله سبحانه لم يقتله ولم يُعنى عليه، لم ينفعني هذا الفرس ولا هذا السلاح، ولكني أحب أن أقاتله