للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما أمر الحق جل جلاله بأكل الحلال الطيب أخرج ضده، فقال:

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٩٠ الى ٩٢]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٩٢)

قلت: (رجس) : خبر، وأفرده لأنه على حذف مضاف، أي: تعاطي الخمر، أو خبر عن الخمر، وخبر المعطوفات محذوف، أي: كذلك.

يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا تناول الْخَمْرُ وهو كل ما غيب العقل، دون الحواس، مع النشوة والطرب، وَالْمَيْسِرُ وهو القمار وَالْأَنْصابُ وهو ما نصب ليُعبد من حجارة أو خشب، وَالْأَزْلامُ أي: الاستقسام بها، وقد تقدم تفسيرها «١» ، رِجْسٌ قذر خبيث تعافه العقول السليمة، مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ أي: من تسويله وتزيينه، فَاجْتَنِبُوهُ أي: ما ذكر من تعاطي الخمر، وما بعده، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي:

تفوزون بالرضوان والنعيم المقيم.

قال البيضاوي: اعلم أن الحق تعالى أكد تحريم الخمر والميسر في هذه الآية، بأن صدّر الجملة بإنما، وقرنها بالأنصاب والأزلام وسماهما رجسًا، وجعلهما من عمل الشيطان، تنبيهًا على أن الاشتغال بهما شر محض، وأمر بالاجتناب عن عينهما، وجعله سببًا يرجى منه الفلاح، ثم قرر ذلك بأن بيّن ما فيهما من المفاسد الدنيوية والدينية المقتضية للتحريم فقال: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، وقد وقع ذلك في زمن الصحابة، وهي كانت سبب تحريمه، وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ إنما خصّ الخمر والميسر بإعادة الذكر وشرح ما فيهما من الوبال تنبيهًا على أنهما المقصودان بالبيان. وذكر الأنصاب والأزلام للدلالة على أنهما مثلهما في الحرمة والشرارة لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «شَارِبُ الخَمرِ كَعَابِد الوَثَنِ» «٢» .

وخصّ الصلاة من الذكر بالإفراد للتعظيم والإشعار بأن الصاد عنها كالصاد عن الإيمان من حيث إنها عماده، والفارق بينه وبين الكفر، ثم أعاد الحث على الانتهاء بصيغة الاستفهام مرتبًا على ما تقدم من أنواع


(١) راجع تفسير الآية ٣ من السورة نفسها.
(٢) أخرجه بلفظه البزار، كشف الأستار (الأشربة، باب فى شارب الخمر) من حديث عبد الله بن عمرو، وأخرجه ابن ماجه فى (الأشربة باب مدمن الخمر) بلفظ: (مدمن الخمر) .

<<  <  ج: ص:  >  >>