وَخُضْتُمْ في الباطل كَالَّذِي خاضُوا أي: أو كخوضهم، أو كالخوض الذي خاضوه، وقيل: كالذين خاضوا فيه، فأوقع الذم على الجمع. أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ أي: لم يستحقوا عليها ثواباً في الدارين، وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ الكاملون في الخسران، خسروا الدنيا والآخرة.
الإشارة: ينبغي لأهل الإيمان الكامل أن يتباعدوا عن أوصاف المنافقين فيأمرون بالمعروف وينْهون عن المنكر، ويمدّون أيديهم بالعطاء والإيثار، ويذكرون الله على سبيل الاستهتار، حتى يذكرهم برحمته. ويتشبهون بمن قبلهم من الصالحين الأبرار، فقد استمتعوا بلذيذ المناجاة، وحلاوة المشاهدات، وبلطائف العلوم والمكاشفات، أولئك الذين ثبتت لهم الكرامة من الله في الدنيا والآخرة، وأولئك هم الفائزون.
يقول الحق جلّ جلاله، في شأن المنافقين: أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ: خبر الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، كيف دمرهم الله وأهلكهم، حيث خالفوا رسلهم، قَوْمِ نُوحٍ أغرقهم بالطوفان، وَقوم عادٍ أهلكهم بالريح، وَثَمُودَ أهلكهم بالصيحة، وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ أهلك نمرود ببعوض، وأهلك أصحابه به، أرسل عليهم سحابة من البعوض فخرطتهم، ودخلت بعوضة في دماغه فأكلت دماغه، حتى هلك، وَأَصْحابِ مَدْيَنَ، وهم قوم شعيب، أُهلكوا بالنار يوم الظلة، وَالْمُؤْتَفِكاتِ مدائن قوم لوط، ائتفكت بهم، أي: انقلبت، فصار عاليها سافلها، وأمطروا حجارات من سجيل. أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ أي: كل واحدة منهن أتاها رسول بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات الواضحة، فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ أي: لم يكن من عادته ما يشابه ظلم الناس، كالعقاب بلا جرم.
وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ حيث عرضوها للعقاب بالكفر والتكذيب.
الإشارة: ينبغي للمؤمن المشفق على نفسه أن يتحرى مواطن الهلكة، فيجتنبها بقدر الإمكان فينظر ما فعل الله بأهل المخالفة والمعاصي، فيهرب منها بقدر إمكانه، وينظر ما فعل بأهل طاعته وطاعة رسوله من النصر والعز في الدارين، فيبادر إليها فوق ما يطيق، ويعظم الرسل، ومن كان على قدمهم ممن حمل الأمانة بعدهم، ويشد يده على صحبتهم وخدمتهم فهذا يسعد سعادة الدارين. وبالله التوفيق.