للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن المنكر سائر عبادات اللسان، ومنها: الصبر على النوائب، سواء كانت من جهة الخلق، أو من قهرية الحق، وهو ركن في الطريق. وتقدم تفصيله في آخر النحل «١» . ومنها: التواضع والليونة، وهما مصيدة الشرف، ومن شأن أهل السياسة. ومن تواضعَ دُون قَدْره رَفَعهُ الله فوق قدره. وهو قوله: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً. ومنها: السكينة والوقار والرزانة، وهي نتيجة عمارة القلب بالهيبة والإجلال. وهو قوله: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ. ومنها: خفض الصوت في سائر الكلام، وهو من علامة وجدان هيبة الحضرة، والقرب من الحق، قال تعالى: وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً «٢» ، وهو من آكد الآداب مع الأشياخ والفقراء.

قال القشيري: قوله تعالى: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ..، الأمر بالمعروف يكون بالقول، وأبلغُهُ: أن تمنع نفسك عما تنهى عنه، واشتغالك، واتصاف نفسك، بما تأمر به غيرك، ومنْ لا حُكْم له على نَفْسِه لا حُكْمَ له على غيره.

والمعروف الذي يجب الأمر به: ما يُوَصِّلُ العبدَ إلى مولاه، والمنكر الذي يجب النهي عنه: ما يشغل العبد عن الله.

ثم قال: وقوله تعالى: وَاصْبِرْ عَلى مَآ أَصابَكَ: تنبيه على أنَّ مَنْ قام لله بحقِّ امْتُحِنَ في الله، فسبيله أن يصبرَ في الله، فإنَّ من صبر لله لم يخسر على الله.

ثم قال: قوله تعالى: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ لا تتكبرْ عليهم، وطالِعْهم مِنْ حَيْثُ النسبة، وتحقق بأنكَ بمشهدٍ من مولاك. ومن عَلِمَ أن مولاه ينظر إليه لا يتكبرُ ولا يتطاول، بل يتخاضع ويتضاءل. قوله تعالى: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ.. الآية، أي: كُنْ فانياً عن شواهدك، مُصْطَلَماً عن صَوْلَتِك، مأخوذاً عن حَوْلِكَ وقوتك، متشبهاً بما استولى عليك من كشوفات سِرِّك. وانظر مَنِ الذي يسمع صوتك حتى تستفيق من خُمَارِ غفلتك، إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ: في الإشارة: أنه الذي يتكلم بلسان المعرفة بغير إذنٍ من الحق. وقالوا: هو الصوفي يتكلم قبل أوانه. هـ. أي: يتكلم على الناس، قبل أن يأذن له شيخه في التذكير. وبالله التوفيق.

ثم ذكر بالنعم، فقال:

[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٢٠ الى ٢١]

أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١)


(١) راجع إشارة الآيات: ١٢٦- ١٢٨ من سورة النحل.
(٢) الآية ١٠٨ من سورة طه.

<<  <  ج: ص:  >  >>