يقول الحق جلّ جلاله: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ، يعني: الشمس، والقمر، والنجوم، والسحاب، والمطر، وغير ذلك، وَما فِي الْأَرْضِ، يعني: البحار، والأنهار، والأشجار، والثمار، والدواب، والمعادن، وغير ذلك، وَأَسْبَغَ: أتم عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ، بالجمع، والإفراد إرادة الجنس. والنعمة: ما يسر به الإنسان ويتلذذ به، حال كونها ظاهِرَةً ما تدرك بالحس، وَباطِنَةً ما تدرك بالعلم والوجدان.
فقيل: الظاهرة: السمع، والبصر، واللسان، وسائر الجوارح الظاهرة، والباطنة: القلب، والعقل، والفهم، وما أشبه ذلك.
أو: الظاهرة: الصحة، والعافية، والكفاية والباطنة: الإيمان، واليقين، والعلم، والمعرفة بالله، وسيأتي في الإشارة بقيتها.
رُوِي أن موسى عليه السلام قال: دُلني على أخفى نعمتك على عبادك، فقال: أخفى نعمتي عليهم: النَّفسُ. هـ.
قلت: إذ بمجاهدتها تحصل السعادة العظمى، ولا وصول إليه إلا بمجاهدتها والغيبة عنها. وفي هذا المعنى كان شيخ شيخنا يقول: جزاها الله عنا خيراً ما ربحنا إلا منها. هـ. وقيل: الظاهرة: تحسين الخلْق، والباطنة: حُسْنُ الخلقُ.
وقال ابن عباس: الظاهرة: ما سوى من خلقك، والباطنة: ما ستر من عيوبك.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بعد هذه النعم المتواترة، أي: في توحيده وصفاته ودينه، بِغَيْرِ عِلْمٍ مستفاد من دليل ولا برهان، وَلا هُدىً اي: هداية رسول، وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ أنزله الله، بل بمجرد التقليد الردي. نزلت في النضر بن الحارث. وقد تقدمت في الحج «١» .
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ على رسوله من التوحيد، والشرائع، قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا من عبادة الأصنام. وهو دليل منع التقليد في الأصول. قاله البيضاوي قلت: والمشهور أن إيمان المقلِّد صحيح. وأما من قلَّد الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم ينظر، فهو مؤمن، اتفاقا. قال تعالى: أَوَلَوْ أيتبعونهم، ولو كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ، يحتمل أن يكون الضمير لهم، أي: أيقلدونهم، ولو كان يدعوهم بذلك التقليد إلى العذاب، أو: لآبائهم، أي: أيتبعون آباءهم، ولو كان الشيطان في زمانهم يدعوهم إلى عذاب السعير.
الإشارة: الأكوان كلها خُلِقَتْ لك أيها الإنسان، وأنت خُلِقْتَ للحضرة، فاعرف قَدْرَكَ، ولا تتعدّ طورك، واشكر النعم التي أسبغ عليك ظاهرة وباطنة. الظاهرة: استقامة الظواهر في عمل الشرائع، والباطنة: تصفية البواطن لتتهيأ لأنوار الحقائق، أو: الظاهرة: المنن، والباطنة: المحن. قال القشيري: قد تكلموا فى الظاهرة والباطنة وأكثروا.