وهذا تعليل لخذلانهم وتحقيق لضلالتهم، وَيَحْسَبُونَ أي: يظنون أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ فهم على جهل مركب، وفيه دليل على أنَّ الكافر المخطئ والمعاند: سواء في الذم واستحقاق العذاب إذ لا يعذر بالخطأ في أمر التوحيد.
الإشارة: تقليد الآباء في المساوىء من أقبح المساوىء، واحتجاج العبد بتخليته مع هواه هو ممن اتخذ إلهه هواه، إن الله لا يأمر بالفحشاء، فإذا قال العبد- في حال انهماكه: هكذا أحبني ربي، فهو خطأ في الاحتجاج بل يجاهد نفسه في الإقلاع، ويتضرع إلى مولاه في التوفيق فإن الحق تعالى إنما يأمر بالعدل والإحسان، ودوام الطاعة والإذعان، والخضوع لله في كل زمان ومكان، والتحقق بالإخلاص في كل أوان، وإفراد المحبة والولاية للكريم المنان. وبالله التوفيق.
ثم أمرهم بستر العورة فى الصلاة والطواف، فقال:
[[سورة الأعراف (٧) : آية ٣١]]
يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١)
يقول الحق جلّ جلاله: يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ أي: ثيابكم التي تستر عورتكم، عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ لطواف أو صلاة، واحتج به من أوجب ستر العورة في الصلاة، ومن السًّنة أن يأخذ الرجل أحسن ثيابه للصلاة، وقيل: المراد بالزينة: زيادة على الستر، كالتجمل للجمعة بأحسن الثياب وبالسواك والطيب، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا أمر إباحة لِمَا رُوِي أن بني عامر، في أيام الحج، كانوا لا يأكلون من الطعام إلا قوتًا، ولا يأكلون دسمًا يعظمون بذلك حجهم، وهَمَّ المسلمون بذلك، فنزلت.
وَلا تُسْرِفُوا بتحريم الحلال، أو بالتقدم إلى الحرام، أو بإفراط الطعام والشره إليه، وقد عَدَّ في الإحياء من المهلكات: شره الطعام، وشره الوقاع، أي: الجماع. إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ لا يرتضي فعلهم. وعن ابن عباس رضى الله عنه:(كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سَرفٌ ومخيلة)«١» أي: تكبر. وقال علي بن الحسين بن واقد: جمع الله الطب في نصف آية فقال: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا.
الإشارة: إنما أمر الحق- جل جلاله- بالتزين للصلاة والطواف لأن فيهما الوقوف بين يدي ملك الملوك، وقد جرت عادة الناس في ملاقاة الملوك: التهيؤ لذلك بما يقدرون عليه من حسن الهيئة لأن ذلك زيادة تعظيم
(١) أخرجه ابن أبى شبية فى المصنف (الأدب واللباس) موقوفا على ابن عباس رضى الله عنه. وأخرجه مرفوعا النسائي فى (الزكاة، باب الاختيال فى الصدقة) وابن ماجه فى (اللباس، باب البس ما شئت ما أخطأك سرف أو مخيلة) وأحمد فى المسند ٢/ ١٨١ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف أو مخيلة» .