للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أسرار التوحيد، وقد تكلم ابن جزي هنا على الخوف والرجاء، وأطال فيهما، ولكنه يجنح لتصوف أهل الظاهر، وقد تقرر في محله.

وقوله تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ: هو تقييد لقوله: يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ فالمختص بالرحمة هم المحسنون. انظر لفظ الحُكم. والله تعالى أعلم.

ثم ذكر الحق- جل جلاله- تصاريف قدرته المفهوم من قوله: (إلا له الخلقُ والأمرُ) ، فقال:

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٥٧ الى ٥٨]

وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٧) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨)

قلت: (نُشُرًا) : حال من الرياح، وهو جمع نشور، بمعنى ناشر، ومن قرأ بسكون الشين، فهو تخفيف منه، ومن قرأ بفتح النون، فمصدر في موضع الحال، بمعنى: ناشرات، أو مفعول مطلق فإن الإرسال والنشر متقاربان، ومن قرأه بالباء وسكون الشين فهو جمع بشير، مخفف، و (أقَلَّت) : مشتق من القلة لأن الحامل للشيء يستقله، و (ثقالاً) :

جمع لأن السحاب جمع بمعنى السحائب.

يقول الحق جلّ جلاله: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ أو الرياح نَشْراً أي: تنشر السحاب، وتفرقه إلى الأرض التي أراد الله إن تمطر، أو بشارة بالمطر «١» ، بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أي: قبل نزول المطر، فهي قدامَه فإن الصبا تثير السحاب، والشمال تجمعه، والجنوب تذره، والدبور تُفرقه. قاله البيضاوي.

حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ أي: حملت سَحاباً ثِقالًا بالماء لأنها تحمل الماء فتثقل به، سُقْناهُ أي: السحاب بما اشتمل عليه من الماء، لِبَلَدٍ مَيِّتٍ أي: لإحيائه أو لسَقيه بعد يبسه، كأنه ميت، فَأَنْزَلْنا بِهِ أي: بالبلد، أو بالسحاب، أو بالسوق، أو بالريح، الْماءَ الذي في السحاب، فَأَخْرَجْنا بِهِ أي: بالماء، مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ من كل أنواعها وأصنافها، كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى من القبور، أي: كما نُحيي البلد بإحداث القوة


(١) هذا المعنى على قراءة «بشرا» ، جمع بشير، وهى قراءة عاصم. وقرأ الباقون «نشرا» بالنون. راجع الإتحاف (٢/ ٥٢) . [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>