قلت: الجبت في الأصل: اسم صنم، فاستعمل في كل ما عُبد من دون الله، والطاغوت: كل باطل من معبود أو غيره، أو الجبت: السحر، والطاغوت: الساحر، وبالجملة: هو كل ما عُبد أو أطيع من دون الله، وقال الجوهري:
الجبت: اسم لكل صنم ولكل عاصٍ ولكل ساحر وكل مُضِلّ، والطاغوت: الشيطان، وأصله: طغيوت، فعلوت، من الطغيان، ثم قلب فصار طيَغوت، ثم قلبت الياء ألفًا.
يقول الحق جلّ جلاله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ علم الْكِتابِ، وهم أحبار اليهود يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ يقرون بصحة عبادتهما، وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ الكفرة أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا طريقًا، نزلت في اليهود- لعنهم الله-: كانوا يقولون: إن عبادة الأصنام أرضى عند الله مما يدعو إليه محمد صلّى الله عليه وسلم، وقيل: في حُيي بن أخطب وكعب بن الأشرف، خرجا في سبعين راكبًا إلى مكة يُحالفون قريشًا على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وقعة أُحد، وينقضون العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل كَعبُ على أبي سفيان، فأحسن مثواه، ونزلت اليهود في دور قريش. فقال أهل مكة: أنتم أهل كتاب، ومحمدٌ صاحب كتاب، ولا نأمن أن يكون هذا مكيدة منكم، فإن أردتم أن نخرج معكم فاسجدوا لهذين الصنمين، وآمنوا بهما، ففعلوا، فذلك قوله تعالى: يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ.
ثم قال أبو سفيان لكعب: إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم، ونحن أميون لا نعلم، فأيُّنا أهدى سبيلاً وأقرب إلى الحق، نحن أو محمد؟ قال كعب: اعرضوا عليَّ دينَكم، فقال أبو سفيان: نحن ننحر للحجيج الكومَاءَ- أي: العظيمة- من النوق- ونسقي الماء، ونَقري الضيف، ونفك العاني، ونصل الرحم، ونعمر بيت ربنا، ونطوف به، ونحن أهل الحرم، ومحمدٌ فارقَ دينَ أبائه، وقطع الرحم وفارق الحرم، فقال كعب: أنتم والله أهدى سبيلاً. هـ.
أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وأبعدهم وأسحقهم، وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً ينصره من عذاب الله. فقد قُتل هؤلاء كلهم شر قتلة، وذهبوا إلى الهاوية. عائذاً بالله.
الإشارة: قال الورتجبي: وبَّخ الله تعالى أهل ظاهر العلم الذين اختاروا الرياسة، وأنكروا على أهل الولاية، وآثروا صحبة المخالفين، يقبلون هواجس نفَوسهم التي هي الجبت، ويخطون على آثار الطاغوت، التي هي إبليس. هـ.