إلى القلب لأنه بيت الرب، أي: هيأنا لإبراهيم مكان قلبه لمشاهدة أسرار جبروتنا وأنوار ملكوتنا، ليكون من المُوقنين بشهود ذاتنا، وقلنا له: لا تشرك بنا شيئًا من السِّوى، ولا ترى معنا غيرنا، وطهِّر بيتي، الذي هو القلب، من الأغيار والأكدار، ليكون محلاً للطائفين به من الواردات والأنوار، والعاكفين فيه من المشاهدات والأسرار، والركع السجود من القلوب التي تواجهك بالتعظيم والانكسار، فإنَّ قلبَ العارف كعبة للواردات والأسرار، ومحل حج قلوب الصالحين والأبرار. وفي بعض الأثر:«يا داود طهر لي بيتًا أسكنه، فقال: يا رب.. وأيُّ بيت يسعك؟ فقال:
لم يسعني أرضي ولا سمائي، ووسعني قلب عبدي المؤمن» . وفيه عند أهل الحديث كلام. ووسعه للربوبية بالعلم والمعرفة الخاصة. والله تعالى أعلم.
ولما فرغ إبراهيم عليه السّلام من بناء البيت، أمره ربه أن يؤذن فى الناس بالحج، كما قال:
قلت: وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ: حال معطوفة على حال، أي: يأتوك حال كونهم رجالاً وركبانًا. و (يأتين) : صفة لكل ضامر لأنه في معنى الجمع. وقرأ عبد الله:«يأتون» ، صفة لرجال. و (رجال) : جمع راجل كقائم وقيام.
يقول الحق جلّ جلاله لإبراهيم عليه السلام: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ أي: نادِ فيهم ليحجوا. رُوِي: أنه عليه السلام صعد أبا قبيس، فقال: يا أيها الناس، حجوا بيت ربكم، فأسمعه الله تعالى الأرواح، فأجاب من قُدِّر له أن يحج من الأصلاب والأرحام بلبيك اللهم لبيك. يَأْتُوكَ إن أذنت رِجالًا أي: مشاة وَركبانا عَلى كُلِّ ضامِرٍ أي: بعير مهزول، أتعبه بُعدُ الشُقة، فهزّله، أو زاد هزاله. وقدّم الرجال على الركبان لفضيلة المشاة، كما ورد في الحديث يَأْتِينَ تلك الضوامر بركبانها، مِنْ كُلِّ فَجٍّ طريق عَمِيقٍ بعيد. قال محمد بن