ثم وصَف الشيطان المريد بقوله: كُتِبَ عَلَيْهِ أي: قضى على ذلك الشيطان أَنَّهُ أي: الأمر والشأن مَنْ تَوَلَّاهُ أي: اتخذه وليًا وتبعه، فَأَنَّهُ أي: الشيطان يُضِلُّهُ عن سواء السبيل، وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ أي: النار. والعياذ بالله.
الإشارة: ومِن الناس مَن تنكبت عنه سابقةُ الخصوصية، فجعل يجادل في طريق الله، وينكر على المتوجهين إلى الله، إذا خرقوا عوائد أنفسهم، وسَدَّ الباب في وجوه عباد الله، فيقول: انقطعت التربية النبوية، وذلك منه بلا عِلْمِ تحقيقٍ ولا حجةٍ ولا برهان، وإنما يتبع في ذلك كل شيطان مريد، سوَّل له ذلك وتبعه فيه. كُتب عليه أنه من تولاه، وتبعه في ذلك، فإنه يُضله عن طريق الخصوص، الذين فازوا بمشاهدة المحبوب، ويهديه إلى عذاب السعير، وهو غم الحجاب والحصر في سجن الأكوان، وفي أسر نفسه وهيكل ذاته، عائذاً بالله من ذلك.
ثم برهن على قيام الساعة، التي خوّف منها، ورد من يجادل فيها، فقال:
يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ أي: إن شككتم في أمر البعث، فمُزيل ريبكم أن تنظروا في بدء خلقكم، وقد كنتم في الابتداء تُرابًا وماء، وليس سبب إنكاركم البعث إلا هذا، وهو صيرورة الخلق ترابًا وماء، فكما بدأكم منه يعيدكم منه، كما قال تعالى: فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ أي: أباكم مِنْ تُرابٍ، ثُمَّ خلقناكم مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ أي: قطعة دم جامدة، ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ أي: لحمة صغيرة، بقدر ما يمضغ، مُخَلَّقَةٍ أي: مصورة الخلقة، وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ أي: لم يتبين خلقها وصورتها بعدُ.