يقول الحق جلّ جلاله: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ بالصحة والعافية والنعمة، أَعْرَضَ عن ذكرنا، فضلاً عن القيام بالشكر، وَنَأى أي: تباعد بِجانِبِهِ لوى عطفه وبعد بنفسه. فالنأي بالجانب: أن يلوي عن الشيء عِطفَه ويوليه عُرض وجهه، فهو تأكيد للإعراض. أو عبارة عن التكبر لأنه من ديدن المستكبرين، وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ من فقر، أو مرض، أو نازلة من النوازل، كانَ يَؤُساً شديد اليأس من روحنا وفرجنا. وفي إسناد المسِّ إلى الشر، بعد إسناد الإنعام إلى ضمير الجلالة إيذان بأن الخير مراد بالذات، والشر ليس كذلك. وهذا الوصف المذكور هنا هو وصف للإنسان باعتبار بعض أفراده ممن هو على هذا الوصف، ولا ينافيه قوله تعالى: وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ «١» ، ونظائره فإن ذلك في نوع آخر من جنس الإنسان. وقيل: أريد به الوليد بن المغيرة.
قال تعالى: قُلْ كُلٌّ أي: كل واحد منكم وممن هو على خلافكم يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ على طريقته التي تُشاكل حاله من الهُدى والضلالة، فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا أي: فربكم، الذي يراكم على هذه الأحوال والطرق، أعلم بمن هو أسَدْ طريقًا وأبين منهاجًا. وقد فسرت الشاكلة أيضًا بالطبيعة والعادة والدين والنية.
والله تعالى أعلم.
الإشارة: ينبغي للمؤمن المشفق على نفسه أن يمعن النظر في كلام سيده، فإذا وجده مدَحَ قومًا بعمل، بادر إلى فعله، أو بوصف، بادر إلى التخلق به، وإذا وجده ذم قومًا، بسبب عمل، تباعد عنه جهده، أو بوصف تطهر منه بالكلية. وقد ذم الحق تعالى هنا من بطر بالنعمة وغفل عن القيام بشكرها، ومن جزع عند المصيبة وأيس من ذهابها، فليكن المؤمن على عكس هذا، فإذا أصابته مصيبة أو بلية تضرع إلى مولاه، ورجى فضله ونواله، وإذا أصابته نعمة دنيوية أو دينية أكثر من شكرها، وشهد المنعم بها في أخذها وصرفها، ولا سيما نعمة الإيمان والمعرفة، وتصفية الروح من غبش الحس والوهم، حتى ترجع لأصلها، الذي هو سر من أسرار الله، الذي أشار إليه بقوله تعالى:
يقول الحق جلّ جلاله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ أي: عن حقيقة الروح، الذي هو مدبر البدن الإنساني، ومبدأ حياته. رُوي أن اليهود قالوا لقريش: سلوه عن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين، وعن الروح،