للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم حذَّر الحق تعالى من مخالطة أهل التخليط، فقال:

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١١٨ الى ١٢٠]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (١١٨) ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١١٩) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (١٢٠)

قلت: بطانة الرجل: خواصه الذين يطلعهم على باطنه وسره، وسميت بطانة تشبيهاً لها بالثوب الذي يلي بطنه كالشعار. قال عليه الصلاة والسلام: «الأَنْصَارَ شِعَارٌ والنَّاسُ دِثَارٌ» . وهي اسم تطلق على المفرد والجمع والمذكر والمؤنث. والألو: التقصير، وأصله: أن يتعدى بالحرف، تقول: لا آلو في نصحك أي: لا أقصر فيه. ثم عدي إلى مفعولين، كقولهم: لا آلوك نصحاً، على تضمن معنى المنع أو النقص. والخبال: الفساد.

و (ما عنتم) : مصدرية، والعنت: التعب والمشقة، والأنامل: جمع أنملة- بضم الميم وفتحها-، والضير والضر واحد. ومضارع الأول: يضير، والثاني: يضر، وهو هنا مجزوم، وأصله: يضرُركم، نقلت حركة الراء إلى الضاد، وضمت الراء، إتباعاً لحركة الضاد طلباً للمشاكلة.

يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً أي: أصدقاء وأصفياء، تطلعونهم على سركم، وهم مِنْ دُونِكُمْ ليسوا على دينكم، فإنهم لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا أي: لا يقصرون جهدَهم في إدخال الفساد بينكم بالتخليط والنميمة وإطلاع الكفار على عورتكم. نزلت في رجال من المسلمين، كانوا يصلون رجالاً من اليهود لما كان بينهم من القرابة والصداقة، أو في المنافقين كان يصلهم بعض المسلمين.

ثم وصفهم بأوصاف توجب التنفير منهم فقال: وَدُّوا ما عَنِتُّمْ أي: تمنوا عنتكم وهلاككم وضلالكم، قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ أي: ظهرت أمارة العداوة من أفواههم بالوقيعة في المسلمين، أو بإطلاع المشركين على عوراتهم، أو في كلامهم مع المسلمين بالغيظ، لأنهم لا يتمالكون أنفسهم لفرط بغضهم، وَما تُخْفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>