قلت: وقد كان شيخنا يرسل لنا البطاقات في حال البدايات، فما كنت أفتحها حتى ترتعد نفسي مما فيها، لأنها تعلم أنه ما يُرسل لها إلا ما فيه موتها، فلولا فضل الله علينا ورحمته- حتى قوانا على العمل بما فيها- لكنا من الخاسرين، ولقد أخطأت العناية قوماً، فتعدوا حدود الشيوخ، أو خرجوا عن دائرتهم قبل كمال تربيتهم، فمسخت قلوبهم، وانمحت من ديوان الولاية رسومهم، جعل الله ذلك عبرة لغيرهم، وزاجراً لمن حذا حذوهم، نعوذ بالله من السلب بعد العطاء، وكفران النعم وحرمان الرضى، وبالله التوفيق وهو الهادي إلى سواء الطريق.
ثم وبّخهم بما فعل أسلافهم من قتل النفس والتشغيب على نبيهم، فقال:
قلت: الفارض: المسنة التي لا تلد، يقال: فرضت البقرة تفرض فروضاً، إذا أسنت. والبكر: الصغيرة التي لم تلد، العوان: المتوسطة بين المسنة والصغيرة، والفاقع: الناصع الصفرة، يقال: أصفر فاقع، وأسود حالك: أي:
شديد السواد. وأصل شية: وِشْيَة، كعدة، حذفت فاؤها وعوض عنها التاء، والوشي: الرقم.
يقول الحق جلّ جلاله: واذكروا يا بني إسرائيل حين قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ لما تخاصموا إليه في قتيل وجد في قرية ولم يدر قاتله، وذلك أن رجلاً فقيراً من بني إسرائيل قتل قريباً له كان موسراً ليرثه، ثم رماه في قرية أخرى، ثم ذهب يطلب دمه، فترافعوا إلى موسى عليه السلام فقال لهم بوحي: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً، وأبهم الأمر عليهم، قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً أي: مهزوءاً بنا، حيث نسألك عن بيان القاتل وأنت تأمرنا أن نذبح «١» بقرة، وهذا من تعنتهم وسوء أدبهم. قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ إذ لا يستهزئ بأمر الدين إلا الجاهل.