قلت:(التهلكة) : مصدر هلك- بتشديد اللام- قاله ابن عطية. وضمن (تُلْقُوا) معنى تفضوا، أو تنتهوا، فعدَّاه بإلى، أي: ولا تفضوا بأنفسكم إلى التهلكة. ولا يحتاج إلى زيادة الباء.
وسبب نزول الآية: أن المشركين صَدُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، وصالحوه على أن يرجع في قابل، فيخلوا له البيت ثلاثة أيام، فرجع لعمرة القضاء، وخاف المسلمون ألا يفوا لهم، فيقاتِلُوا في الحرم والشهر الحرام، وكرهوا ذلك، فنزلت الآية.
يقول الحق جلّ جلاله: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وإعلاء كلمته الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ أي: يبدءونكم بالقتال، وَلا تَعْتَدُوا فتقاتلوهم قبل أن يبدءوكم إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ لا ينصرهم ولا يؤيدهم. ثم نسخ هذا بقوله: وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً ... الآية. وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ أي: وجدتموهم، ولا تتحرجوا من قتالهم في الحرم، فإنهم هم الذين صدوكم وبدأوكم بالإذاية، وَأَخْرِجُوهُمْ من مكة حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ منها، وَالْفِتْنَةُ أي: الكفر الذي هم فيه، أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ لهم في الحرم، وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ابتداءً حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ، فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فيه فَاقْتُلُوهُمْ فيه، وفي غيره، كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ يفعل بهم ما فعلوا بغيرهم، فَإِنِ انْتَهَوْا عن الشرك وأسلموا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لهم رَحِيمٌ بهم.